Monday, September 30, 2013,03:37
محاولة فى: قواعد شافاق
ربما سيكون مجحفا أن نحكم برداءة "قواعد العشق الأربعون" لإليف شافاق، لكنه سيكون مجحفا – بالمثل – أن نضفى عليها من صفات الروعة ما لا تستحق. الرواية جيدة؛ لا أكثر من ذلك، ولا أقل. وقد يكون من الحكمة أن ننوه – ابتداءً – إلى إمكان الخلطِ ممكنِ الوقوعِ بين نجاح العمل فى أن يكون روائيا، ونجاحه فى أن يكون صوفيا.

سيكون ذلك مخيبا للآمال، لكننى لا أجد بُدّا من تقريره على هذا النحو؛ إن واحدا من الأسباب الرئيسة التى تشد الرواية لأسفل، من حيث كان يُفترض له – على مستوى التوقع – أن يفعل العكس تماما، هو الشخصية المحورية للرواية داخل الرواية، شمس تبريز. للكاتبة – فيما يبدو – نوعٌ من الخبرة "المعرفية" بالتصوف، لكنها تبدو كخبرة الشاعر السورىّ على أحمد سعيد (أدونيس)، الذى نقّب فى التراث – بتأثيرٍ من نزوعاته السيريالية –؛ بحثا عن ثراءٍ مشابه، ليحطّ على (على لا فى) التجربة الصوفية، مستلهما عبارتها وقاموسها، غير أنه يُخفق – طبقا لبعض الباحثين – فى تقديم تجربة صوفية حقيقية تتسم بالأصالة. ولست أحسب أننا سنجاوز الحد لو اتهمنا تجربة شافاق بما اتُهم به أدونيس، صح ذلك فى حقه أو لم يصح.

كنت قد كتبت إن "الفصول التى تأتى على لسان شمس تبريز هى أضعف ما فى الرواية؛ ففى هذه الفصول، تبدو الكاتبة وكأنها لا تدرى ما تفعل بكل هذه المادة الصوفية التى بين يديها، كفنان تشكيلىّ يملك وفرة من الألوان على باليتته، وبدلا من أن يكون حكيما فى معرفة أين يضع ألوانه فى اللوحة وبأية مقادير، نراه دائما ما يُفْرط فى استخدامها، فيتضح ما حقه الغموض، ويَبرز من لا مكان ما يحتاج إلى تمهيد"، ثم عدت – بعد شىء من النظر – فاكتشفت أن الكاتبة لا تملك عمق المادة الصوفية؛ إنها تحدثنا عن الحب والمهمشين، لكن ذلك ليس حكرا على التصوف وحده، ومقارنةُ القواعد الأربعين للتبريزى، بوصفها خلاصة خبرته فى السلوك، بخلاصات غيره من المتصوفة، كحِكَم ابن عطاء، ومواقف النفرى، وأشعار الحلاج... إلخ، لن تصب – بحال – فى صالح التجربة التبريزية كما تعرِض لها شافاق، والتى تفتقد إلى حرارة الدم الصوفىّ الذى يبعث الحياة فى الكلمات. وقد يُدفع بأن ذلك من قبيل إلزام الكاتبة بما لا يلزم، وقد يكون ذلك صحيحا بالفعل، لكن العجزَ عن التماهى مع النفَس الصوفىّ، أو مع روح التصوف، أو مع معالجة التجربة 'من داخل' لا 'من خارج'، مما لا يمكن غفرانه لكاتبٍ يبدو طامحا إلى جعل عمله الأدبى مُعمّدا بماء التصوف، فأقصى ما حققته شافاق هو ما كان يمكن لمصلحٍ اجتماعىٍّ أن يحققه، لو كانت له معرفة بالموضوعات الصوفية الشائعة – كالحب؛ إنه الفارق الكبير بين التجربة الشخصانية العينية، وبين القراءة عن مثل هذه التجربة ومماسّتها من خارج، أو بعبارة شمس نفسه، إنه الفارق بين أن تعرف وأن ترى.

من لا مكان، تبزغ إحالاتُ شمس المستمرة إلى قواعده الأربعين، وكأن المخاطَب – أيا مَن كان – يعرف بها معرفة مسبقة. وليست القواعد وحدها ما يُولد بلا مبرر مقنع من السرد، بل ينطبق ذلك – بالمثل – على كثير من عباراته الصوفية وحكاياه؛ إن رغبة الكاتبة فى تعريفنا بالتصوف (نزوع تعليمى) أكبرُ – فيما يبدو – من رغبتها فى مقاربة مادتها جماليا، وإذ تسقط جماليا، يسقط منها كل شىء.

يظل للعمل – رغم ذلك – قيمته ونقاط قوته التى تفلح إلى حد كبير فى موازنة المآخذ، خصوصا مع تسامق الرواية – مقارنةً بذى قبل – مع فصولها الأخيرة البديعة (وإن أمكننا تفهمُ قارىءٍ يصف نهاية عزيز بالمبتذلة). من ذلك: التراسلات التى تقيمها الكاتبة بين الأزمنة/الأمكنة المتباعدة، والتوازيات التى تعقدها بين الشخوص/الأبطال (أبطال الرواية وأبطال الرواية داخل الرواية).. إلخ، لكن واحدةً من أكثر النقاط المهمة واللافتة هى ما يمكننى تسميته "ديمقراطية" الرواية؛ إذ نعرف عن الشخوص تلقيا مباشرا عن ألسنتهم، وليس عن لسان الراوية العالم بكل شىء (The Omniscient Narrator)؛ فنستمع إلى الدرويش، والعالِم، والسكران، والبغىّ، والمتعصب، مما يتيح لنا قدرا أكبر من القرب والتفهم، وهو ما يصب فى المجرى العام لما نحسبه رسالةَ الرواية، وإن توقفَتْ بعضُ الفصول على لسان مختلف الشخوص – برغم هذا التكنيك الروائى – عن أن تكون نوافذنا عليهم، حين جعلتِ الكاتبةُ منها – الشخوص – مجردَ مرايا تعكس الشخصية الرئيسة، شمس، أو برولوجات تعلق على الحدث، أو تمهد له.

كان للقواعد أن تكون أفضلَ مما هى، لو جاءت أقل تعمّدا فى رغبتها المحمومة فى الظهور كرواية صوفية؛ إذ أصابها ذلك بالافتعال، وبالأخص على صعيد محورها التبريزىّ. كان للقواعد أن تكون أفضلَ مما هى، لو قنعتْ بأن تكون روايةً وحسب.
 
Posted by Muhammad | Permalink | 11 comments
Thursday, September 26, 2013,01:29
رياضيات صوفية

مقدمة: المثلث أ ب جـ متساوى الأضلاع، وكذلك المثلث د هـ و. طول ضلع أ ب جـ مُساوٍ لطول ضلع د هـ و.

نتيجة: المثلث أ ب جـ ينطبق على المثلث د هـ و، يندغمُ معه، يتحدُ به ويحلّ فيه ويفنى، يكونه على كلِ نحوٍ ممكن. وفى لحظةِ الانطباق، ستنطلقُ الأبواقُ الملكية، وستزفّ كل واحدٍ منهما مواكبُ مُهنئيه. ستكونُ المواكبُ من المربعاتِ والمستطيلاتِ والمُعيّناتِ والدوائر، سيمتلىء الحفلُ بالدوائر، وسيلبسُ الجمعُ ألوانًا مبهجة؛ فرحةً صادقةً بالتداخل. وفى ثقبٍ من الزمن، سيتم كل شىءٍ فى جلال، سينطبقُ المُتغرِّبان، السائحان فى فضاءِ المسطحاتِ الهندسية، التعبانان من البُعدين، والمشتاقان إلى البُعدِ الثالث، هناك فى عالمِ الفراغيات، حيث سيصيرُ لهما امتداد، وإن صارا كثرةً فى الواحد. وهناك، سيرقصان كما لم يرقصا فى دنيا السطوح، ستلين زواياهما، فلا يعودان حادّين فى الانكسار، وسيُطوِّحان فى الاتجاهات. المُثنى مجاز؛ لن يكون سوى واحدٍ يرقصُ ويلينُ ويُطوِّحُ فى الاتجاهات؛ أ هـ و، أو د ب جـ، أو كيفما تجلى المثلث/المثلثان.
 
Posted by Muhammad | Permalink | 6 comments
Wednesday, September 25, 2013,22:39
لا أفارقُ اسمَك
وتحسبينه تواضعا فى الطلب؟ هلك أكثرُهم دون "الضمّة" المُشتهاة؛ فلا قيس فاز بليلى، ولا قيس فاز بلبنى، ولا شىءَ فى قصصِ الأولينِ سوى الشعراءِ يتابعهمْ – بعد نأى الحبيباتِ – صوتُ الكمانِ، وأنتِ الكمان.

وحذاؤُكِ ضيقٌ تلبسينه فى الاستحماماتِ، فتنزلقينَ على الصابونِ المُطهِّر. تلك روايتى المحرّفةُ، نصى الثانى الذى يزيحُ الأولَ؛ كنا نُزيِّفُ التاريخ!

كنا نُزيِّفُ التاريخَ؛ لنحتملَ ضيقَ الأرواحِ (والأحذيةِ)؛ لأقفَ بين يديكِ؛ لتقفى بين يدىّ، تعنينا حكايتُنا الكبيرةُ، وليس يعنينا السِّوى؛ ليس فى الوقفةِ سِوى.

وأنت حسيّةٌ (ومبلغُ حسِّكِ التصوّفُ)، كراماتُكِ طعوميّةٌ وروائحيّةٌ وملامسيّةٌ، تعيدين تراتبيةَ الحواسِ التى رسختْ منذ سقراطَ، فترفعين الأدنى، وتدنين الأعلى؛ لكأنكِ شاعرٌ جاهلىّ.

وأنت تنسين الوقوفَ، فتصح منكِ الوقفةُ؛ الوقفةُ ذهولٌ عن الوقوفِ، الوقفةُ ارتباكٌ، الوقفةُ توتر! وليس فى البؤبؤِ إلاكِ، مرآوىّ أنا، وعِشرةُ الفوتونىِّ – قالوا – تطيحُ بالجِرمِ والكثافة.

دبدبى – إذًا – واخبطى على الجدران لأصحو. دعْكِ من فقدى؛ فإن الفقدُ غيبٌ .. وهنا اللحظةُ الراهنة. Carpe Diem، يا عزيزتى. Carpe Diem!

وتظلّينَ النصّ الأصلَ مُرجَأ الدلالة؛ أنا إساءةُ التأويل.
 
Posted by Muhammad | Permalink | 5 comments
Tuesday, September 24, 2013,17:39
المُكاتبات - الثامنة عشرة
ومما زادَ حبّى فيكَ يا سيدى أنكَ طيبٌ كحمائمِ الحرَم، حُلوٌ وأبيض، وجناحاكَ رقيقان. ومما زادَ شوقى فيكَ يا سيدى أنكَ فوتونىّ الطابع، لا تكونُ هناكَ وأنتَ هناك؛ حضورُكَ غياب. (لو أنكَ تتكثّفُ قليلا، لو أن بعضًا من ذراتِ روحِكَ تتضامّ فتكون مادةً تُحَسّ، لو أن مسافاتِكَ البينيةَ تتقاربُ فتكون كالموائع، إذًا لمسستُك، ولأحللتـُكَ فىّ حلولَ الماءِ فى الإناء.) ومما زادَ صمتى فيكَ يا سيدى عجزُ اللغة، مراوغةٌ، تحجبُ من حيث تظنها تكشف، وتُعتم من حيث تظنها تبوح؛ بَوْحى لك قاصرٌ، كيف أسفحُنى كلاما؟!
 
Posted by Muhammad | Permalink | 6 comments
Sunday, September 22, 2013,00:54
فى العَروض
لنكتبْ – إذًا – فى الشامةِ (والشامةُ حسنةٌ) ديوانى شعرٍ منثور. سنعتمد بالكامل على موسيقاها الداخلية؛ هى أهدأ من أن تتسعَ لبحورِ الخليل بن أحمد، وإن ضجّتْ فى القُبَلِ بالحركاتِ والسكناتِ والأسبابِ والأوتادِ والزِحافاتِ والعلل. فى القُبَل، تشتعلُ الموسيقى، فنتطاول، ونتكامل، ونتراجز، ونتهازج، ونترامل، ونتمادد، ونتوافر، ونتسارع، ونتضارع، ونتقارب، ونتدارك، وننبسط، وننسرح، ونخف، ونقتضب، ونجتث. وفى الشوقِ الزائد (وشوقُنا زائدٌ أبدا)، نطفرُ من التام إلى المجزوء إلى المشطور إلى المنهوك إلى المُدوّر إلى المرسَل إلى المُخلّع. ما رأيكِ لو نبدأ فورا بتقطيعِ الأبيات/الشفتين؟
 
Posted by Muhammad | Permalink | 6 comments
Thursday, September 19, 2013,22:55
فى الحادية والثلاثين - الخامسة
واحدٌ من الأيام التى لا تطلب فيها الموت، بل تود لو لم توجد من الأصل؛ وكأن الموت ليس كافيا لمحو ثقل الذاكرة. أستمع إلى نصيحة عبد الصبور فلا أبحر فى الذاكرة، لكنها تظل هناك على أية حال، رازحة فوق الظهر والكتفين، تؤدى عملها بإتقان تام دون حاجة إلى إرادة الإبحار. كل لحظة مزيد من الثقل، تتكدس اللحظات فتغرسك فى الأرض، مهما بالغت فى تشتيت الانتباه.

الجو حار وخانق ورطب، النوم مستعص كامرأة متمردة، والتبغ يضفى لمسته الأخيرة على لزوجة اللوحة، فيثقل الرأس بما لا يُطاق. ميرسول فى "الغريب" لألبير كامو لا يقول شيئا فى الدفاع عن نفسه ضد تهمة القتل سوى الشمس، كانت الشمس هى السبب، وفى جنازة أمه، لا يضايقه غير المسيرة الطويلة والشمس اللافحة والطريق المترب. انتهى ألبير كامو إلى القول بعبثية الحياة، وشاركه فى تنويعات النغمة مواطناه مالرو وسارتر. الكوجيتو الديكارتى "أنا أفكر، إذًا أنا موجود" يستحيل إلى "الوجود غير مفهوم، ومع ذلك فأنا موجود". هيجل (البيضة الألمانية) يبالغ فى عقلنة العالم، وينصب نفسه – بالديالكتيك – على عرش الفلسفة التى تكتشف – على يديه – المطلق، من الفكرة فى ذاتها إلى الفكرة فى ذاتها ولذاتها. كان كانط أكثر تواضعا من هذا الطاووس.

السؤال الفلسفى الشهير: لماذا كان هناك وجود ولم يكن هناك عدم؟ والإجابة؟ ركامات من الخراء بعضها فوق بعض. هل قلت من قبل إننى أقدر الفلسفة؟ أعتذر لكم! يبدو ذلك لى – الآن – إطلاقيا أكثر مما ينبغى؛ ليس كل الفلسفات. نحن محشوون قشا، والفلاسفة محشوون بالخراء. شخصيا، أفضل هشاشة القش، وإن كان للخراء الفلسفى – أعترف – جاذبيته.

ترهقنى العائلة بالحديث عن حسابات المستقبل، والقائدُ العام يعيث فسادا فى الأمكنة. هل يعرف هؤلاء أننا مثقلون بما فيه الكفاية؟ يحاول الصوفية إيجاد مخرج من هذا الكمين؛ يمكن لبساتين الورد أن تنمو فى الصدور المهدمة! والشر الذى فى الملكوت؟ يجيب الفلاسفة واللاهوتيون بإجابات لا تخلو من المنطق، لكن الغزالىّ فى منقذه يحدثنا عما اطمأنت إليه نفسه، لا عما اطمأن إليه عقله. خطاب العقل لا يكفى، وربما لذلك تطالب الأديان بالإيمان لا بالفهم التام. لكى نفهم، لابد أن نؤمن – هكذا يقرر أوغسطين، ويضيف كيركجارد – إلى هذا التراث – مفهوم الوثبة.

إن كان منزلتى فى الحب عندكمو/ما قد بلغت، فقد ضيعت أيامى. هل كان على ابن الفارض أن يكتب عن ضياع الأيام على هذا النحو بالغ الأسى؟ ولماذا يعالج الصوفيةُ الأسى بالأسى؟! فى زمن بعيد، جلس امرؤ القيس جلسة مشابهة، وطالب الليل الطويل – الذى أرخى سدوله بأنواع الهموم – أن ينجلىَ بصبح، لكنه عاد فسدّ على نفسه – وعلينا – منافذ الخلاص؛ فـ "ما الإصباحُ منكَ بأمثلِ"، وكَحَلٍّ لِهَمٍّ وجودىٍّ مشابه، اقترح طرفةُ "فدعنى أبادرها بما ملكت يدى".

وأنا لا أكتب لكم، بل أكتب إلى ذاك البعيد فى المكان، ذاك البعيد فى الزمان، الذى ستحمله الريح السوّاحة إلىّ، فيصادف كلماتى، ويتماهى وحيرتى، وقد يجد عندى إجابة عذبه سؤالُها، رغم إنى لا أجيد الإجابات!
 
Posted by Muhammad | Permalink | 2 comments
,07:36
انطفاء
تعرفين؟ ليست متشائمةً، ولكنها يائسةٌ بالكليةِ دون بصيصِ أمل. تندفع فى الحياة – قصورا ذاتيا – كالمترجِّلِ من باص. لفظتْها أمها – فى الطلْق – عنيفا بما يكفى للدخول فى مدارٍ حول الأرض. لو جاءت ولادتُها طبيعيةً ما استمر الأمرُ كل هذه السنوات؛ كانت ستموت مسممَةً بالتساؤل، أو كانت ستعيش كالآحاد. أشك – أحيانا – أن للسؤال معنىً أو أهمية! أدمنَتِ السؤالَ حتى لم تعد تبحث عن إجابة. تجاوزَتْ كل طرقِ الرجوعِ الممكنة، وبقيَتْ هناك فى حضورٍ قارٍّ كالغياب.

تعرفين؟ عرفتُها قبل سنواتٍ بعيدة، ولم تكن – رغم ذلك – كذلك. كانت روحُها حيةً، والفراشةُ بداخلها لم تنطفىء بعد. كانت ملابسُها فاضحةً بالأنوثةِ دون تكلف، وقلّما لجأتْ إلى مساحيقِ الوجه. صار عندها ما تخفيه، فسمُكتْ طبقاتُ الطِّلاء. طلاها الأصفرُ من الداخل، فاحتالتْ عليه بكرنفالاتِ الخارج. يقول من يراها – الآن – إنها فى طورِ النضج؛ الحقيقةُ أنها فى طورِ القتامة.

تعرفين؟ بدتْ عاديةً تماما فى السنواتِ البعيدة، لكنها فيما يبدو كانت محكومةً بالجرثومةِ منذ البدء. كنتُ هناك فى الولادة، فعرفتُ أن الأمورَ ستسيرُ على هذه الشاكلة. ربما كان علىّ أن أنتظر قليلا حتى ينشطَ الكامن، وتظهرَ أعراضُ الطفحِ على بشرةِ الروح. كنتُ أعرفُ، وكنتُ أنتظر، ولم يكن بيدىَ أن أحولَ دون وقوعِه. هل كان بمقدورىَ شىء؟ المقاديرُ دائما ما تكون.

تعرفين؟ هذه الحياة مؤسيةٌ على نحوٍ خادش، على نحوٍ خادشٍ للحياء! جاءتنى عاريةً تماما، منتصبةَ الحلمتين، مأخوذةً بالرغبة، فعجبتُ للحيويةِ التى دبتْ فيها على غيرِ توقع! داعبتُها حتى تبللّتْ بالكآبة، وتأوّهَتْ كدرويشٍ مجذوبٍ طاشَ فى التطوّح. ترددَتْ أحبالُها الصوتيةُ فى النشوةِ البالغةِ، فاصّعّدَتْ آهاتُها من مقامٍ حزين. كان البللُ على أصابعى رطبا كالوجود. نظرَتْ لى نظرةً جارحة، وأدنـَتْ أصابعى من فمى! وتعرفين؟ كان شبقُها بطعمِ الرماد.
 
Posted by Muhammad | Permalink | 2 comments
Wednesday, September 18, 2013,01:27
المُكاتبات - السابعة عشرة
وتمريرُ الأصابعِ على سطحِ خدّيكِ تعمقٌ فى الوجودِ وكشفٌ؛ تمريرُ الأصابعِ رياضةٌ (روحية). يقولُ شيخى: وحالُ السالكِ عندَ بلوغِهِ السوالفَ ليس كحالِهِ عندَ المُبتدا فى الذقن، وما فهمْتُ عنه حتى ذُقْتُ فعرفْتُ فاغترفْتُ؛ خدّاكِ أحوالٌ ومقاماتٌ ومواجيد.

وبيننا كلامٌ، وبيننا صمتٌ، والصمتُ إسمنتُ الكلامِ، الصمتُ تتمةُ الرسالةِ، يُنبى بما لا يُنبى به الحرفُ؛ والجسدُ أصدقُ إنباءً، الجسدُ أبلغُ، يُنبى بما لا يُنبى به الحرفُ والصمتُ، الجسدُ وصلُ الروحِ بالروح.

وليس الذى قرأ كالذى رأى، وليس الذى سمعَ كالذى أرهفَ، وليس الذى حامَ – من بُعدٍ – كالذى اجتذبَهُ المجال؛ حبكِ – يا واسعةَ العينينِ – تصوّف!

وتطرّف!
 
Posted by Muhammad | Permalink | 14 comments
Sunday, September 15, 2013,10:41
المُكاتبات - السادسة عشرة
وتعالى يا سُكرَ النباتِ أقل لك نكتتين: بريئةً، وخادشةً لنضجِ الطفولةِ فيك. البريئةُ عن رجلٍ أراد حضورَ حفلٍ تنكرىّ، فأرسل أخاه. والخادشةُ أُسرّها إليك؛ فلا ينالها المتسمعون!

وتُضحكك الدغدغة؟ أدغدغك – إذن – فى باطنِ قدميك حتى تفطسى ضحكا. آه يا برقوقتى لو أنك تفطسين! *



* (تفطسين "ضحكا")، هكذا وردت فى المخطوطة المحفوظة بدار الكتب، وسقطت من هذا الأصل.
 
Posted by Muhammad | Permalink | 7 comments
Friday, September 13, 2013,22:35
المُكاتبات - الخامسة عشرة
أحبك يا من تحبين الإسكندريةَ والبرقوق. وأنت المالحُ؛ أشربُ، وأنت لا رِىّ؛ أنت عطشٌ فوق عطشٍ فوق عطش. والصبايا لا يدلوننى على السبيل، الصبايا حائراتٌ فى نفس التيه، التيه حيث التقينا وتشابكتِ الأكف. الأكف مغضوضنةٌ ومعروقةٌ – يا صبيةُ – عليها آثارُ السفر. وفى العالم أشياء غريبات، فى العالم أشياء حزينات، فى العالم أشياء كئيبات، وأنت ماضيةٌ على عجل. امكثى يا صبيةُ؛ عندى من الفنون ألفٌ، آكلُ الزجاجَ، وأمشى على الحبلِ، وأُخرجُ الأرانبَ من قبعتى، وأقولُ النكات. مُسلٍّ تماما للرحلةِ الكابية، وحدتى فِراشُك، عُريى لِباسُك، خيمتى تسعُنا. كونى عكازا أتوكأ عليه، ويكون لى فيه مآربُ أخرى. لماذا تحبين السفر؟ ما المغوى هناك؟ لا شىءَ سوى المزيدِ منهم يا بطوط!
 
Posted by Muhammad | Permalink | 7 comments
Thursday, September 12, 2013,15:40
E=MC2
كنرجسٍ يغنى لنبوءة البنفسج، كان الرحيل واسعا. [نهى جمال]

البنفسج زهر المتعبين، والنبوءات لا تتحقق؛ لا وقت للنبوءات كى تتحقق، والإشارات التى تجىء من مرصد الغيب – يُنبىء عن سرها العلماءُ الثقات – تقول انتظارٌ عقيم، لكن الرحيلَ يظل واسعا على أية حال.

الرحيل أقرب مسافة بين نقطتين. كان على إقليدس أن يعيد ترتيب هندسته بما يليق بهذه الفاجعة. وحده أرشميدس من استطاع أن يركز ضوء الشمس فى بؤرةٍ أحرقت سفنَ الأعداء وقلبَه. وحذاء أمباذوقليس – كحذاء حبيبتى – يتعبه طول التجول. نصى مملوء بالفجوات التى تستعصى على الرتق، وثقب الأوزون – فوق القطب الجنوبى لروحى – يسمح بمرور الأشعة البنفسجية. فى هذا العالم ما يكفى – ويزيد – من كومات البنفسج! هل سيعثر الأمير على سندريللا صاحبةِ الحذاء المفقود أم سيُلقى به فى فوهة بركان إتنا؟

الطاقة تساوى الكتلة مضروبة فى مربع سرعة الضوء؛ فإذا تضاءلت الكتلة وانكسر الضوء لدى مروره بهشاشة الزجاج، ما الذى يبقى من الطاقة؟ عجزت البشرية عن اكتشاف جسيم يُفتت ذرات البنفسج؛ فكانت النبوءة محكومةً بالفشل منذ البدء. صديقى الصوفى، هل لديك أقوال أخرى؟
 
Posted by Muhammad | Permalink | 8 comments
Tuesday, September 10, 2013,06:13
المُكاتبات - الرابعة عشرة
مُفتتح: وفى بحرنا بئر سكر. بئر من الماء العذب مستقرة بين أمواج المالح. أى والله بئر سكر. [رضوى عاشور]

وفى بحرنا [أنتِ] بئرُ سكر. بئرٌ من الماءِ العذبِ مستقرةٌ بين أمواجِ المالح. أى واللهِ بئر سكر. ونهداكِ نعمةٌ، لَنِعْمَ ما أعطيتِ السائلَ الفقيرَ؛ أنا الفقير.

كـ Ganglion تأتيها الإشاراتُ المستبِدُ بها التعبُ، فتستظلّ، وتلتقطُ الأنفاسَ، ثم تعاودُ المناوبة .. كذلك حالى معك.

ولولاكِ يا سُكّرَ النّباتِ .. ولولاكِ يا عقدَتى العصبيةَ .. لنَحَرَنا البحرُ حتى تآكلتْ شطآنُ الروحُ، وتهدّمتْ على أهلِها المدينة.

لأنكِ هنا؛ ما زلتُ هنا.
 
Posted by Muhammad | Permalink | 6 comments
Thursday, September 05, 2013,19:35
الكلمة .. والسيف
قد يتأتـّى التغيير بالكلمة، وقد يتأتـّى التغيير بالسيف. ورغم الفقرة الختامية التى ينهى به صلاح عبد الصبور كتابه النثرى "حياتى فى الشعر" عن إيمانه العظيم الذى بقى له نقيا لا تشوبه شائبة، وهو الإيمان بالكلمة، إلا أن تتبع مُنجزه فى الشعر الغنائى والدرامى لا يجعلنا مطمئنين تماما إلى هذا التقرير الحاسم الذى يسوقه صلاح؛ إذ تشى سطوره بتردده الواضح بين الكلمة والسيف، وتأرجحه بين القول والفعل، وهو وإن كان ينسب إلى الحلاج القدرة على إحياء الموتى بالكلمات فى "مأساة الحلاج"، إلا إنه يكتب فى "ليلى والمجنون" عن النبىِّ المهزوم الذى يحمل قلما فى انتظار النبىِّ الذى يحمل سيفا، والذى يُشكِّل الخلاص. أقول إن تتبع مُنجزه الشعرىِّ لا يجعلنا مطمئنين تماما إلى هذا التقرير الحاسم، اللهم إلا أن يكون إيمانه بالكلمة إيمانا كيركجارديا لا يعنى زوال الشك، بل يتطلب تكرار القفزة – والمصطلح لكيركجارد فى التعبير عن طبيعة الإيمان – فى كل لحظة.

وأنا أؤمن بالكلمة وبقدرتها على التغيير، وأؤمن – على نحو أعم – بالمثلث الهيجلى (الفن – الدين – الفلسفة)، وإن أعدت تراتبيته بوضع الدين فوق الفلسفة، لكنى أؤمن – كذلك – بالسيف، الذى قد يكون – أحيانا – أصدق أنباء من الكتب، فيكون أقدر على حل نزاع عجز عن حله غيره من الوسائل.

زاد الحديث فى الحقبة التى سادت فيها النزوعات الاشتراكية عن الالتزام فى الفن، حيث دار النقاش حول موقف الفنان من قضايا مجتمعه، وعلت أصواتٌ ماركسيةٌ تنادى بإخضاع الفن للأيديولوجية؛ ليكون فنا ملتزما لا يوصف بالتهمة الجاهزة: الرجعية. ونحن وإن سلّمنا بما للفن من غايات أخلاقية واجتماعية وهلم جرا، إلا أننا لا نسلم أن يتم ذلك بطريقة مباشرة تكون فيها علاقة الفن بالسياسىِّ أو الأخلاقىِّ أو الاجتماعىِّ علاقةَ التابع بالمتبوع، أو علاقة الموظف؛ فالفن يؤدى وظيفته فى التغيير بطرق الفن وجمالياته، ومجالُ عمله الإنسان.

ليست – إذًا – وظيفة الفنان أن يتصدى إلى اليومىِّ والعابر بمعايير اليومىِّ والعابر، بل بمعايير الفن الباقية التى تقصد إلى التغيير على المدى البعيد بتغيير الإنسان ذاته، وقد يلجأ إلى أساليب اليومىِّ والعابر فى إحداث التغيير، لكنه لا يلجأ إليها بوصفه فنانا، فحينما حمل الكُتاب الفرنسيون السلاح لمقاومة الغزو النازى لم يحملوه بوصفهم كُتابا، بل بوصفهم مواطنين يتعرض وطنهم للغزو، وعلى الجانب المقابل، قاوم المثقفون الألمان المعارضون للنازية جنون هتلر من غير طريق الكتابة. يقول سارتر: عندما كانت تحكم الألمان حكومة نازية مستبدة، كان من الجلىّ أن واجب الألمان المعادين للنازية أن يحتجوا ويقاوموا ويعارضوا، سواء أكانوا كُتابا أم غير كُتاب. لكن ما حدث فى الواقع أن قيام الكُتاب بهذه المهمة ككُتاب كان أمرا مستحيلا، وأنهم أعربوا عن مقاومتهم ومعارضتهم بوسائل أخرى، كالانضمام إلى الجمعيات السرية، أو القيام بعمل من أعمال الاحتجاج كترك الجامعة إن كانوا من أساتذتها، أو الاستقالة من العمادة إذا ما طُرد أحد الأساتذة اليهود، لكن لم تثر فى أى حال مسألة إبداء احتجاجهم عن طريق الكتابة.

وتأسيسا على ذلك، فإن المُنتج الفنىّ الجيد الذى يخرج من عباءة البرناسية (الفن للفن) لا يقل أثرا عن المنتج الفنىّ الجيد الذى يخرج من عباءة الواقعية الاشتراكية فى إحداث التغيير، ما دمنا نلعب على وتر إعادة تشكيل الإنسان وصياغته صياغة جديدة. إن الفن لا ينقسم إلى فن تقدمىٍّ وآخر رجعىّ، بل إلى فن جيد وفن ردىء، وكل فن جيد هو فن تقدمى.

تعلّقَ التخوف الذى أبداه حلاج عبد الصبور بإيجاد السيف المبصر، والمُخلِّص الذى انتظره سعيد فى "ليلى والمجنون" هو ذاك الذى يتمنطق بالكلمة ويغنى بالسيف. إنها الحكمةُ ما كان يصبو إليه صلاح، حكمةُ وضع الكلمة فى موضعها، والسيف فى موضعه، حكمةُ المزاوجة بين القول والفعل.
 
Posted by Muhammad | Permalink | 8 comments
Monday, September 02, 2013,05:46
المُكاتبات - الثالثة عشرة
وهل كان ما خَطَوْنا سوى طريقِ الآلام؟ وهل كان ما صَعَدْنا سوى الجُلْجُثَة؟ لما جَلَدَنا الرومانُ وكلّلُوا رءوسَنا بالغار! وبتْنا البارحةَ فى البستانِ ندعو الربّ أن يعبُرَ عنا هذا الكاس. وإذ أنتِ – يا مريميةُ – فوق الخشبتينِ المتعامدتين، فى أطرافكِ المساميرُ، وفى عينيكِ التعب، انظرى يمينك! أنا الذى على الصليبِ المجاور، مسبلٌ عيناى مثلك ومُسمّرٌ ومُتعَبٌ حتى القمر.

أنا ما وشيتُ بكِ عند بيلاطس، ولا ضحكتُ كيهود، ولا تلقّيتُ ثلاثينَ فضة، ولا أنكرتُكِ قبل أن يصيحَ الديك. صرةُ المُرِّ أنا، بين ثدييكِ أبيت.

[وأحلِّفكن يا بناتِ أورشليمَ أن تساعدوا حبيبى على اجتثاثِ كلِّ هذه الركاماتِ والخرائب. لكأنها تخرجُ من بين الصّلبِ والترائب!]

تصبحين على جنةٍ من غرامٍ
وأيكةِ عشقٍ
وبستانِ شوقٍ
وكيسِ فانيليا
نرشّ به الحلمَ حتى يلين
 
Posted by Muhammad | Permalink | 12 comments
Sunday, September 01, 2013,04:11
سأمٌ أعتذرُ عنه
الاختيـار من متعـدد. دائمـا ما يكون الاختيـارُ من متعـدد. واختيـارُ الواحـدِ يتضمـن إهمـالَ الكثـرة. تلك – يقـول الاقتصاديـون – تكلفـةُ الفرصـةِ الضائعـة.

والزمن – ذلك الغريب – أقصرُ من أن يتسع لكل خيار! الفيزياء التى أظهرْتُ ولعًا بها فى المدرسةِ الثانوية، والفلسفة .. لم يعد ممكنا – وليمتنعْ خبراءُ التنميةِ البشرية والمتفائلون حد التقززِ عن التعليق – أن أعود إلى دراستِهما أكاديميا كما أطمح. ناهيك عن مساراتٍ عدةٍ يستحيل – الآن – أن تخطوَ فيها خطوةً واحدة. الذاتُ مشروعُك أنت، كما يذهب الوجوديون، غير أنها تظل – فى الأخير – ذاتًا واحدة. ليس ممكنا أن نكونَ كل شىء، أو أن نكونَ كل ما لم نكنْه، بل ليس من قبيل المبالغةِ أن تُضيف: أو أن تكونَ شيئا واحدا مما أردتـَه .. أن تكونـَه كما أردت.

يعصف بى السأمُ حثيثا هذه الأيام، أكاد أفتقد الحماسةَ بالكليّة، والكلماتُ التى تعلقُ بالذهن، تضربُه كل ساعتين، ليست سوى افتتاحيةِ عبد الصبور لظلِّه وصليبِه: هذا زمانُ السأم/نفخُ الأراجيلِ سأم/دبيبُ فخذِ امرأةٍ ما بين إليتَىْ رجل .. سأم. أستشعره – عضويا – فى ثنايا الأحشاءِ أو حول الحجابِ الحاجز .. لا أدرى، لكننى لا أخطىء هذا الشعور، يجبرنى على تغييرِ وضعيتى فأهب واقفا كالملدوغ، يذهبُ عنى، لكنه لا يُخلِّف مكانـَه الراحة.

أفهم أن يكون دبيبُ فخذِ امرأةٍ ما بين إليتَىْ رجلٍ سأما. أفهم أن يتأسسَ الجنسُ فى السأم، ويحصلَ فى السأم، وينتهىَ – بعد فورةِ الأورجازم – فى السأم، مُلقيا بجسدينِ منطرحينِ سأمانينِ على فراشِ السأم. ينطبعُ الجنسُ بالفرحة، فيكون جنسا فرِحا، وينطبعُ بالحزن، فيكون حزينا، وينطبعُ بالمرارة، فيكون مرا، وينطبعُ بالسآمة، فيكون سئِما؛ الجنسُ صنوفٌ لا صنف واحد. أفهم أن يتأسسَ الجنسُ فى السأم، وأن ينتهىَ فيه، وأن يكونَ – فى آنٍ – محاولةً خائبةً للهروبِ منه.

عثرتُ – ذاتَ تقليبٍ فى أوراقى القديمةِ – على نصٍّ كتبتُه – منذُ زمنٍ – تحتَ تأثيرِ المخدِّر. كان السيرياليون وأصحابُ مفهومِ "الكتابةِ الآليِّةِ" ليحتفوا بالتجربة، أو هذا ما يبدو لى. أيا ما كان، فليس أنسبَ لنشره من هذه اللحظةِ التى أشعرُ فيها بسأمٍ بالغ! السأمُ سيدُ الموقف:

لا يفعل بنا الحشيش أكثر من نقلنا من الواقعية إلى الواقعية السحرية، فنصبح عظماء كماركيز.

كيف كان لنا أن نواجه الحياة هكذا وجها لوجه دون حاجة إلى الأثر المنبه للشاى والقهوة والنسكافيه بلا حليب، أو الأثر المخدر للحشيش وحبوب الهلوسة!

الآن أرى العالم من خلال غشاوة الحشيش السحرية؛ لا أراه، وأراه أوضح.

الحشيش يحب التبغ، فهل يحب التبغ الحشيش؟ أنا أحبهما.

أشعر كبالون ممتلىء بالهيدروجين، يوشك أن يطير .. أو ينفثىء. فسسس

الخيل والليل والبيداء تعرفنى. قابلتهم ذات مرة فى الأسانسير.

عندما تعلمتُ الأبجدية، عرفتُ أن حروفها ثمانيةٌ وعشرون. حين أخبرونى أن الأعداد لا تنتهى، دُهشت جدا.

- هل تريد بعضا من النبيذ؟
- لا، أفضِّل البلاك نسكافيه.
- مُسْكِر؟
- ليس إلى هذا الحد.
- إذن أحضر لك بعض النبيذ.

أمل دنقل يريد لها أن تذكره. أريد أن أنسى أمل، وأنساها.

كافكا. كيف كانت تركيبتُه النفسية؟

صلاح عبد الصبور. تكريما له؛ جعلتُ من ديوانه غطاءً لكوب الحشيش. أحتفظ بقطع الحشيش فى كتابٍ عن إليوت. على المرء ألا ينسى آباءه الفنيين.

يرى بوب مارلى أن الحشيش يعلمنا كيف نجد أنفسنا، وعندما نصل إلى أنفسنا، نصل إلى His Majesty. هكذا كُتبت بحروف افتتاحية كبيرة. أرى أن مقولة بوب مارلى لن تصل بنا إلى أى شىء .. سوى جهنم.

لماذا ينشغل الملحدون بنفى وجود الله إلى هذا الحد؟ لو كنت ملحدا، لعشت حياتى وحسب.

لو ضحكت الآن، فلن أتوقف. لكنْ أين ما يُضحك؟

هذا الرجل فرويد غريب وخبيث. حوّل العالم بأكمله إلى قضيب.

ماركس يا ذا اللحية الكثة، لو كنتَ هنا الآن، للففتُ لك سيجارة ثورية.

الشكلانيون الروس كانوا بارعين حقا حين حدثونا عن "كسر الألفة". لابد أنهم قد توصلوا إلى هذا الفكرة تحت تأثير الحشيش.

أنا الآن أتفلسف. أنا تحت تأثير الحشيش. إذًا، كل الفلسفة قد تُوصِّل إليها تحت تأثير الحشيش. رغم المغالطة المنطقية، يظل الحشيش أبا الفلسفة.

هيجل! تلك البيضة الألمانية.

كيركجورد أورثنى "الشوكة التى فى اللحم".

لم يقف سارتر طويلا عند إثبات أو نفى وجود الله. دلف مباشرة إلى الموضوع.

الحماقة بعينها أن تدخن الحشيش، ثم تجلس للكتابة.

أنا أحمق كبير.

لماذا تحمّل لير – مطلق السلطة – بهلوله اللاذع؟ كان عليه أن يقتله .. هكذا .. طلبا للمرح.

هؤلاء الذين لم يستمعوا لفيروز تحت تأثير المخدر، ماذا عرفوا من فيروز؟ نحن عرفنا فيروز. نحن – الحشاشين – عرفنا فيروز ونتيه عليكم بذلك يا أبناء الصحو.

لكم صحوكم، ولنا فيروز.

كان فرعون قد تخطى مرحلة عضوية البرلمان ورئاسة الحكومة ثم الدولة، ولما لم يَدْرِ ما يصنع بعد أن وصل فى ترقيه إلى "الفرعنة"، قال "أنا ربكم الأعلى". المدهش فى المسألة أن المصريين عبدوه.

- ماذا تفعل إذا واتتك رغبة ملحة لتدخين سيجارة، ثم اكتشفت نفاد علبة الكبريت؟
- أشعلها بالقدّاحة.
- وإذا لم يكن لديك قدّاحة؟
- انت ابن ستين كلب.

صاحبى الذى ذهب لإحضار النبيذ لم يعد.
 
Posted by Muhammad | Permalink | 4 comments