Thursday, August 14, 2008,02:21
خمسةٌ وثلاثون يومًا من العزلة

مفتتح: ولقد ذكرتُكِ والرماحُ نواهلٌ مني وبيضُ الهندِ تقطرُ من دمي
فوددتُ تقبيلَ السيوفِ لأنها لمعتْ كبارقِ ثغركِ المتبسمِ

يأتي الأمرُ بالرقودِ فأستلقي استعدادًا لضرب النار. أنظرُ من فتحةِ الناشنكاه الخلفيّ وأمررُ شعاعَ البصر فيطاوعني إلى أعلى سن نملة الدبانة. ينحسرُ عن الهدفِ ويرتدُّ منتشيا حين تتمثلين أمامي، فأبتسم. يصدر الأمرُ بالاشتباكِ فأطلقُ رصاصاتي في المسافةِ بين قلبينا علّكِ تتجسدين. ينفلتُ المقذوفُ حاملا شوقيَ المكبوتَ فترتسمُ على وجهي علاماتُ الحسم في انتظار النتيجة...

أرى التماعةَ السونكيِّ تحت وهج شمسِ يوليو الحارقةِ فأتذكرُ أبياتَ الرقيقِ عنترة. أقارنُ بين سيوفِ القدماءِ وبنادقِ المحدثين فلا أجدُ من شبهٍ - بين حروبهم وحروبنا - إلا في الحبِّ المكنونِ لمحبوباتٍ ينتظرن (بلهفةٍ) عودةَ الغائب .. لا أجدُ من شبهٍ إلا في الحبِّ المكنونِ والدمِ المتطاير...

تغريني أبياتُهُ بالشِعر فتنسابُ فاتحةُ قصيدةٍ لم تكتمل. أقول لنفسي: لم يكُ أفضلَ مني حالا في العشق (وإن بَزَّني في القريضِ) فعلامَ السكوت. ذاق من حبِّ عبلة ما ذاق، وأذوق من حبكِ ما أذوق، فليبكِ كلٌّ على ليلاه...

أتمددُ وليس من فاصلٍ بيني وبين السماءِ فتعودني منمنماتُنا الصغيرة. أتقوّى بها على خشونةِ الأيام (المملوءةِ رملا) والبعدِ فتجدُ الضحكةُ طريقَها إلى القلب المنهك. أدركُ الآن - عن تجربةٍ - ما تعنيه الأفراحُ الصغيرةُ في أوقاتِ الجدب، وأدركُ - على الأخصِّ - قدرتَها الدافعةَ للاستمرار في حياةٍ لا لونَ فيها سوى الأصفر، ولا طعمَ فيها سوى العطشِ، ولا رائحةَ فيها سوى العَرق...

أنتحي جانبا وأنعمُ بنظراتٍ مختلساتٍ لصورتكِ التي لم تفارق جيبَ السُترة. تهبطُ تفصيلاتُ وجهكِ الموشومِ على جدارِ الروحِ بردًا وسلاما. يزدادُ الاشتياقُ فتكاد الدمعاتُ أن تخونني، ولولا أنني آليتُ ألا أبكي (عنادًا في صديقِ العمر) لبكيتُ ثم لبكيت. أقسى ما في الغربة - رغمَ جفافِ الأيام - هو الغربةُ ذاتُها يا فاطمة يا غرامي البعيد...

تتبدلُ الظروفُ فلا نعودُ أنفسَنا، ولم أكنْ هناك نفسي. تنقطعُ روابط وتضيعُ أشياء وتبهتُ ذكريات. وحدك تقتحمين الأسلاكَ الشائكةَ فتَظلين خيطا من نور يخترقُ الإقامةَ الجبريةَ ليربطني بالخارج (وكلُّ خارجٍ أنت فيه أهفو إليه). أُحادثُ عنكِ الأصدقاءَ فيضوع عطرٌ أعرفُهُ وأهتزُّ له. أعلنُ انتمائي إليكِ جنديًّا طالَ غيابُهُ عن وطنِهِ (وأنتِ وطني). أخدمُ - عن طيب خاطرٍ - في جيشِكِ ذي الفردِ الواحد. أنا فردُكِ وجيشُكِ، وأنتِ أمي ومليكتي وأرضي...

أتعلّمُ أن سلاحَ المقاتلِ جزءٌ منه لا يتركُهُ حتى يذوقَ الموتَ، وأنتِ سلاحي في مواجهةِ الحياةِ لا تقوى يداي على تركِكِ وإن حاولْت. أخوضُ الحروبَ - على كراهتِها - طمعا في المغنم. فكوني المغنمَ وكوني الوسام. وكوني الغد...

خاتمة: انتظريني بغَمرةٍ ولثمة .. و خُصلةٍ وبسمة .. بعينين دافئتين ونبضٍ متلهّف .. فحبُّك - يا طفلتي الأثيرةَ - يُبقيني آدميّا.

 
Posted by Muhammad | Permalink | 26 comments