Wednesday, September 12, 2007,20:50
متفرّقات

(1)

مَثَلُ الشيعةِ في اتهامهم السنةَ بالنَصَبِ(*) كمثل النصارى إذ يتهموننا ببغض المسيح. يقول الأولون لو أحببتم آلَ البيتِ لاعتقدتم بإمامتهم وشايعتمونا، ويقول الآخرون لو أحببتم المسيح لآمنتم به ابنا للربّ مصلوبا من أجل الإنسان.
لكن الإسلام – كما أعرفه – لا إفراط فيه ولا تفريط. نحبّ آلَ البيتِ ولا نؤمن بعصمتهم، ونحبّ المسيحَ ولا نؤمن بألوهيته. ونحن أولى بآلِ البيتِ والمسيحِ من أولئك وهؤلاء.

***

(2)

كثرت النماذج التي يطرحها المرتدّون والملاحدة على سبيل معارضة القرآن. وأكثر ما استلفت انتباهي فيها حتى لأزعمه خصيصةً مشتركةً نسجُهم – رغم المخالفة – على الطريقة القرآنية. فتراهم يقتبسون من نفس القرآن ثم يحوّرون بعضَ الألفاظ ويقدّمون ويؤخّرون.

يقول الخوئي (من علماء الشيعة): المألوف في معارضة كلام بمثله، أن يأتي الشاعر أو الكاتب بكلام يتحد مع الكلام المعارَض في جهة من الجهات، أو غرض من الأغراض، ولكنه يأتي بكلام مستقل في ألفاظه وتركيبه وأسلوبه. وليس معنى المعارضة أن يقلّد الكلام المعارض في تركيبه وأسلوبه، ويتصرّف فيه بتبديل بعض ألفاظه ببعض.

ثم يضيف: وقد كان أيسرَ شيء لمعاصري النبي صلى الله عليه وسلم من العرب، ولكنّهم لمعرفتهم بمعنى المعارضة الصحيحة ومعرفتهم بوجوه البلاغة في القرآن لم تمكنهم المعارضة.

ولْنستشهد بقول أحدهم في معارضة أمّ الكتاب ليتضح ما نعني: الحمد للرحمن رب الأكوان، الملك الديان، لك العبادة، وبك المستعان، اهدنا صراط الإيمان.

فرغم أن المعارضة تكون أصلا من باب الطعن في الدين بالطعن في محكم التنزيل، إلا أنّهم – رغم الطعن – لم يفلحوا في التخلص من أسر الأسلوب القرآني، فنراهم ينسجون على منواله. وليس هذا بشيء.

والظاهرة في هذا قديمة. فما وصلنا من معارضات تُنسب لمسيلمة (الذي التصق به الكذب) وغيرِه تحمل نفس السمة. فكان مما جاء: والمبذرات زرعاً، والحاصدات حصداً، والذاريات قمحاً، والطاحنات طحناً، والعاجنات عجناً والخابزات خبزاً والثاردات ثرداً، واللاقمات لقماً، أهالة وسمناً، لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ريفكم فامنعوه، والعتر فآووه والباغي فناوئوه.

يكتب البحتريّ سينيته في وصف إيوان كسرى فيعارضه شوقي بأندلسيّة من نفس البحر ملتزما قافية القصيدة ورويّها. وشوقي في ذلك غيرُ منسحق تحت عجلات البحتريّ، فلا غرابة أن تكون قصيدته واحدة من أجمل ما كتب.

وكمثال لأحد تجليات المعارضة في وجهها الساذج، نسرد ما رواه الدكتور/ عز الدين إسماعيل في كتابه "الشعر العربي المعاصر"، حيث يقول: ونحن نذكر هنا المحاولة المضحكة التي قام بها أحد نظّامي الشعر العربي حين نشر في مجلة الثقافة التي كانت تصدر بالقاهرة ما سمّاه ترجمة شعرية لبعض شعر صلاح عبد الصبور. نذكر من ذلك على سبيل المثال أخذه لقول صلاح:

قلتم لي..
لا تدسس أنفك فيما يعني جارك
لكني أسألكم أن تعطوني أنفي
وجهي في مرآتي مجدوع الأنف

ثم صياغته على النحو التالي:

قلتمُ قولا شديدا
هزّ أركاني بعنفِ
لا تدسّ الأنف فيما
ليس يعني غير جارك
إنني أسألكم أن
تمنحوني الآن أنفي
أنفي المجدوع في المرآة يدعوني لذلك

وليس صاحبنا هذا – في الفهم – بأفضل حالا ممن زعموا معارضة القرآن. ألا ليتهم يكتفون بالإلحاد فضيلة، فليس عليهم – أيضا – أن يكونوا أغبياء!

***

(3)

انتشر الكلام في معاوية بين ظهراني السنة. يقولون غَرّته الدنيا فارتد على عقبيه ونازع عليّا في الأمر. وليس هذا من معتقد أهل السنة فى شيء. فأهل السنة – كما أعرفهم – يشهدون بعدالة الصحابة .. كلِّ الصحابة، ويكفّون ألسنتهم عن الخوض فيما دار بينهم من فتنة، موقنين أن أحد الفريقين اجتهد فأصاب فكان أقربَ إلى الحق من إخوانه، وأن الرجل لم ينازع عليّا في الأمر ولم يعلن نفسه خليفة، وإنما كان الخلاف في قتَلة عثمان. ولا أدري كيف السبيل إلى الطّعن في معاوية الصحابيّ، واللهُ - الذي في السماء - قد شهد للصحابة – كلِّ الصحابة - ووعدهم الحسنى! ولا أدري كيف يدفع هؤلاء اليقينَ بالشك!

يقول الإمام مالك عن سابّي الصحابة: إنّما هؤلاء أقوامٌ أرادوا القدح في النبي، فلم يمكنهم ذلك، فقدحوا في أصحابه، حتى يُقال رجل سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين.

ويُسأل عبد الله بن المبارك، أيهما أفضل: معاوية بن أبي سفيان، أم عمر بن عبد العزيز؟ فيقول: والله إنّ الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضلُ من عمر بألف مرة، صلّى معاوية خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية: ربنا ولك الحمد. فما بعد هذا؟

ويأتي رجل إلى الإمام أحمد فيسأله: يا أبا عبد الله لي خال ذكر أنه ينتقص معاوية وربما أكلت معه. فيبادره الإمام: لا تأكل معه.

أُنهي بما قاله العبد الصالح عمر بن عبد العزيز لمّا سُئل عما وقع بين الصحابة: هذه دماء قد سلمت منها أيدينا، فلا نلطّخ بها ألسنتنا.

جمعنا الله ونبيَّه وآلَ بيتِ نبيِّه وصحابتَه في مستقر رحمته.

-----------------------

(*)النواصب: قومٌ يبغضون آلَ بيتِ النبيّ وينصبون لهم العداء.

 
Posted by Muhammad | Permalink | 9 comments
Wednesday, September 05, 2007,05:57
عائدٌ كأنه الشعر

إلى كاظم الساهر

أغمضْ عينيكَ الضّيقتينِ على وطنٍ متّسعٍ كالجُرح. أغمضْ عينيكَ الكابيَتيْن ولا تصمت. أَرْجحْ صوتكَ بين الجهرِ الخافتِ والإيماءِ المجنون. ما أحلاكَ وما أحلى شدوَكَ للحريةِ والحب. ما أحلاكَ وما أحلى الرجلَ المبحوحَ بداخلِ روحِك. يا بسَّامَ الطّلعةِ .. يا معقودَ الثّغرِ من الحزن. أجملْ بك. أجملْ بالقلبِ إذا أينعَ أوراقاً خُُضْراً في بستانِ العشّاقِ فأنضجَ ثمرَ الشّوق. أجملْ بالفَوديْنِ إذا ابيضّا وازدادا حكمة. أجملْ بي، بالغرقى في بحرِك. نحنُ المأخوذِينَ بترنيمِ فؤادِك. السّاعينَ إلى النّورِ على نبرةِ حَدْوِك. المُصغينَ إلى صوتِ النّعمةِ في شريانِك. أقبلْ تيّاهاً بالموسيقى المنسابةِ من غصّةِ نفسِكَ كالنّهر. واغسلنا من صدأ الحاضرِ في سعيكَ نحو المستقبل. أقبلْ تيّاهاً مرتدياً تاجاً من شوْك. واحملْ - في أَلَقٍ - حزنَكَ حتّى تَلقى المحبوب. غضّنْ جبهتكَ النديانةَ بالشِعرِ المَوْسومِ بوجعِ العمر. كنْ حادينا في الطّرقِ الوعرةِ نحو بلادِ الفرح. غرغرْنا - رَجْعاً من أغنيةٍ - في الحلْق. يا من رافقَني في سنواتِ الجدبِ فقاسمَني الخبز. يا من أشعلَ تبْغي المُرَّ بمُرِّ اللحن. يا أنكيدو العائد بحثاً عن جلجامش في غاباتِ الأسمنت. يا طعمَ الماءِ المتبخترِ في دجلة كالدّم. يا رائحةَ لقاءِ الرّاعي تمّوز بعشتار. يا صوتَ الناي المنبعثَ بروحي، يا أنت.

 
Posted by Muhammad | Permalink | 20 comments