Friday, July 13, 2007,06:15
أنتظر


مفتتح: إن ابتداءَك للقصيدةِ لم يكن أبدا خيارَك(1)
مفتتح آخر: ليس هذا الضجيج الكلام - ليس هذا السكوت انهزام(2)

***

تبدأ القصة بصورة معاصرة ورشيقة. نبضات متسارعة لأصابع تضطرب فوق لوحة المفاتيح .. أصابع تحاول القبض على زمام الرؤيا المراوغة قبل أن تنفلتَ في نهر الزمن المتسارع. فمن يعي الكتابة على الطريقة النيتشوية (كتبتُ كتبي بدمي)، يعي أن لحظاتِ الكشفِ نادرة، وأن الجسدَ لا يحوي كثيرا من المداد الأحمر

تبدأ القصة بصورة معاصرة ورشيقة وتنتهي غيرَ ذلك. كان كلُّ شيء سيسير على ما يُرام .. فقط لو كنتَ غيرَك. لو كنت تستطيع المهادنة، أو تَقبُّلَ كلِّ أحد. لو كنت أكثرَ إيمانا بالإنسان، وأقلَّ إيمانا بإله الإنسان. لكنَّ رحْلَكَ - منذ البدء - قد رسا على شاطيءِ اليقين الدينيّ. آمنتَ بأنك ستعرف الله بالوحي لا بالعقل، وأنك لكي تفهم لابد أن تؤمن(3)

تبدأ القصة بصورة معاصرة ورشيقة، فيحدوك التفاؤلُ وتتورط في المناقشة. لتنتهي - كلّ مرة - من حيث بدأْتَ. وتترسخ فيك الحكمة: لا فائدة من النقاش سوى إدراك عبثية النقاش

وعند هذه النقطة يتحول الكاتب من استخدام ضمير المخاطَب إلى استخدام ضمير المتكلِم، ابتزازا لمشاعر القاريء:

قالوا: متطرف وضيق الأفق .. دموي وكاره للبشر .. دوجماطيقيّ وحنجوريّ ومتخلف

نعم أنا - محمد علي القاطن بدير النحاس حيث الدواء فيه سم قاتل - متطرفٌ وضيقُ الأفق .. دمويّ وكارهٌ للبشر .. دوجماطيقيّ وحنجوريّ .. متخلف ورجعيّ .. برجوازيّ وماركسيّ .. علمانيّ وأصوليّ .. مثاليّ وماديّ .. براجماتيّ وميكافيلليّ وخارجيّ ومعتزليّ. بل أنا أكثر من ذلك. أنا قذرٌ ونتنُ الرائحة .. يعلوني العرقُ صيفا والصدأُ شتاء .. أشعث أغبر مُأدلَج ومُدبلَج. أنا ما تشاء أنا الحقير .. صباغُ أحذية الغزاة وبائعُ الدم والضمير .. للظالمين، أنا الغراب .. يقتات من جثث الفراخ. أنا الدمار، أنا الخراب .. شفةُ البغيّ أعفُّ من قلبي، وأجنحةُ الذباب .. أنقى وأدفأُ من يديّ. كما تشـاءُ، أنا الحقيـر(4)
ثم ماذا؟

أحمد الله أني لم أخسر أحدا ممن سقطوا أمواتا في الحياة لسببٍ شخصيّ بيني وبينه. بل لما اعتقدته حقا، وأحببتُ أن ألقى الله عليه. وأحمد الله أني الآن أكثر ثباتا مهما طالت أحاديثُهم عن نسبيةِ الحق ومُلَّاكِ الحقيقةِ المطلقة واعتقاداتِ الآخر التي تجعل من اعتقاداتي أمرا لا يمكن الجزم بصحته. فأنا آمنت، ففهمت

تقول صاحبة مدونة (الصراحة خنقة): فلتكن الصراحة دون خدوش .. ولتكن حياتي أبيض وأسود

ويسأل عمرُ النبيَّ يوم الحديبية: (ألسنا على الحق وهم على الباطل) .. حتى يقول: (فعلامَ نعطي الدنيّة في ديننا)(5)

***

سؤال: كيف يقوم حوار بين طرفين لا مرجعية مشتركة بينهما؟
أنتظر الإجابة، فالسؤال - جدّ - مُمِضّ.

أنتظر ...


هوامش على دفتر النكسة:

(1) عن قصيدة لصاحبة مدونة (عيون ضيقة).
(2) محمد إبراهيم أبو سنة.
(3) مقولة شهيرة للقديس أوغسطين.
(4) راجع قصيدة المخبر للسيّاب.
(5) صحيح البخاري.

 
Posted by Muhammad | Permalink | 38 comments