Tuesday, February 24, 2009,18:19
السبت، 14 من فبراير 2009

اشتقتُكِ فزرتِني في الحُلم. جئتِني في كامل زينتِكِ وأبهتِك. كان فستانُك قصيرا بلا أكمام. كان أحمرَ كطلاء شفتيك. كان منقوشا بورود زرقاءَ صغيرة. التقينا في شارع لا نعرفه ولم نذهب إليه من قبل. تحاضنّا بلا مبالاة بالعالم حتى طال التحاضن. ولجتُ داخلَ غاباتِ شعركِ الهائشِ في تناسقٍ حتى تشربتُك. لكنكِ - ولسبب لا أدريه - كنتِ في عجلة من أمرِك. وعدتِني بلقاءٍ قريبٍ نجلس فيه ليقصّ كلٌّ منا للآخر أحوالَه وأخبارَه .. غير أنكِ - حتى في الحُلم - لم تعودي.

قمتُ في السادسة لأنهيَ واجباتي الصباحية. أتممتُ كلَّ شيءٍ ثم اصطففتُ للطابور. لسعاتُ الهواء تؤلم الأصابعَ والجذوعَ، وليس من شيءٍ يستر عُرينا سوى طبقةٍ من الصوف لا تُدفيء ولا تغني من برد. صوتُ "الرقيب" جهوريٌّ يقطع الاسترسال. أمقتُهُ شأن كل العسكريين. يُصدر النداءَ فنسير متحاذين في قطاراتٍ وصفوف. أُصبح واحدا في المجموع بلا هوية. مجرد رقم في السجلات لا يعني شيئا سوى زيادة القوة فردا. أَشرد نحوكِ فتعودُ خصائصي الآدمية .. ويعودُ الحزن.

هوب حِد اتنين تلاتة هوب

ننتبه مشدودين ومحدقين في اللاشيء. أنظر للراية المنتصبة في خشوع وأُلقي التحيةَ على أمِّنا القاسيةِ مصر. يُقبل وجهكِ ذو القداسة محتلا مركزَ مساحةِ الأبيضِ الكائنةِ وسطَ العَلَم. أَعجبُ كيف لا يستبدلون وجهكِ - رسميا - بالشعار الجمهوريّ، ثم أبتسم لجنون الفكرة.

فراشي فوق كتفي الأيمنِ، والأوراقُ المطلوبةُ في اتجاهِ كتفي الآخر. أسير على هدى فوق إحدى المدقات الترابية وقد انشغلتُ بالحِمْل فعجزتُ عن إشعال لفافة تبغ. أَبلغ بوابةَ "المشاة" فأقرأ لافتة تقول إنهم سادةُ المعارك. تعودني نقاشاتُنا عن عبد الناصر وحربِ اليمن فأشيح بوجهي في غير اتجاه التذكر. السياسة آخر ما أحتاجه في هذا اليوم.

قلوبُ العساكر مثقلةٌ بأوجاع الحبِّ الخائبِ وقلبي مثقل. أقابل الصديقَ الذي تشبه حكايتُه حكايتي فآنسُ إليه. نتقي برودةَ الهواء والوحدة بالأغطية واستحضار الذكريات. أقول: في مثل هذه الساعة من فبراير الفائتِ كنا نتسكع سويا في شوارع القاهرة. أقول: أعمارُنا قصيرةٌ لكنَّ عاما واحدا قد يكفي لتحولاتٍ دراماتيكيةٍ كثيرة. أقول: يراودني في عيد الحب شعورُ اليتامى في عيد الأم. أقول: سئمتُ الجيوشَ والحروبَ وفسادَ العالم والقصصَ التي لا تكتمل. أقول: أشتاق حبيبتي ولا شيء يجدي في دفع الاشتياق. يسترسل في الحديث عن فتاته التي ضاعتْ في نفس التوقيت من العام الفائت. يخبرني عن بنت الجيران التي رافقه حبُّها مذ كانتْ طفلةً لم يبدُ للأترابِ من ثديها حجم .. يخبرني عن الظروف التي حالتْ دون اكتمالِ العلاقة .. ويخبرني عن هذا الشعور الذي أعرفه كخطوط يدي ... الحنين. تتطاير من شفاهنا الكلمات، غاضبةً مرة، وهادئةً مرة، حتى لا يعودَ في جعبتينا سوى سهمٍ واحد ... الصمت.

 
Posted by Muhammad | Permalink | 4 comments