Sunday, October 07, 2007,02:35
لماذا لستُ ملحدا

أسباب غير عقلانية

لأنّي لم أستطع غرسَ قدميّ في الأرض واحتضانَ الطين. قالوا منه وإليه نعود. وقالوا لا نقايض بما في أيدينا ما قد يكون أو لا يكون. لكنّ نفسي المغتربةَ كانتْ تريدُ اليقين. غادرتُ فارسَ بحثاً عنه حتى بلغتُ الحجاز. وفي الحجاز عرفتُ غايةَ الوجود، وأدركتُ الحقَ المنشود.

لأنّي حين تطلّعتُ إلى السماء خانتني القامة فعجزتُ عن التطاول. أحسستُ بالضعةِ والتيهِ في الملكوت، فأيقنتُ أنْ لا سبيلَ أمامي إلى الارتقاء. قلتُ يا هامان ابْنِ لي صرحا لعلّي أبلغُ الأسباب. لكنّ هامان - البارعَ في بناءِ ناطحاتِ السحب - خذلني بمحدوديته. رأيتُه يتغوّط .. فقلت أنّى بالجلوس على عرش الكون لكائنٍ يتغوّط. وأنا فرعون عظيمكم - مَن لي مُلْكُ مصرَ وهذه الأنهارُ تجري من تحتي - أشهدكم أني آمنتُ بالربّ الذي في السماء.

لأنّي خبرتُ - في الحياة - النقصَ فطمحتُ إلى الاكتمالِ والكمال. رحتُ ألهثُ خلفَ العلوم سنينَ ككلبٍ يشمُّ روائحَ صيدٍ فيتبعُها. صافقتُ مفيستوفوليس ومهرتُ العقدَ بدمي لأدخلَ التجربة. صحتُ به: هلمّ نطفيء ظمأ الرغبة في بحر الشهوة فحملني إلى مارجريت. سألتْني عن الإله فسكتّ. وحين ألحّتْ في السؤالِ تلعثمتُ وعييتُ وأُفحمت. خمس دقائق ويأتيني من وادي عبقر طالباً روحي. كيف أُسلمُها وقد أضعتُ العمرَ ذهاباً وجيئةً دون أن أعرف الريّ والشبع؟ ما زلتُ - كعهدي بنفسي - ظامئاً كبحر، ونهماً كدودة. ما زلتُ - رغم الإبحارِ - بلا حكمة. ما زلتُ فاوستَ التائه. خاب سعيي.

لأنّي هجرتُ الوطنَ وسرتُ إلى الجبل فأقمتُ فيه عشرَ سنين حتى تبدّلتْ سريرتي. عدتُ متراقصاً محفوفاً بالغبطةِ فلقيتُ شيخاً ينظمُ الأناشيدَ ويترنّم. حدّثني عن الله، فقلتُ في نفسي: ألم يسمع هذا الشيخُ في غابِهِ أن الإلهَ قد مات! ثم كان أن مرّت السنونُ واشتعلَ الرأسُ شيبا. وها أنا أجلسُ في ركنٍ منسيّ من أركانِ العالمِ أبكي وحدتي الصدئةَ وما لي من صديقٍ أو إله.

لأنّي سمعتُ القرآنَ فاستبشرتُ وارتعدتُ وأيقنتُ أنه الكتاب. قلتُ لا قِبل لمحمدٍ على الإتيانِ بمثله ولو كان للجنّ ظهيرا. أسررتُها في نفسي حتى قابلتُ كاذبَ ربيعة فاتّبعتُه. نافحتُ عنه وكنتُ أعرفُ فيه الباطل. لكنّني إذ وقفتُ على أهل القبور في القبور، أخبروني أنّها ليست خاتمةَ الحكاية، وأن ما ظنّوه النهايةَ كان البداية. أُجهشت بالبكاء وقلت: قُبِّحتُ لو لم أتبعْ صادقَ مُضَر.

 
Posted by Muhammad | Permalink | 9 comments