Sunday, February 09, 2014,09:22
وطن؟
صحيحٌ أننا نشتاقُ الشخوصَ والأماكن، لكن ذلك ليس ما يعنيه الوطن؛ الوطنُ انتماءٌ إلى وظهرٌ تستند إليه بالأساس، وذاك – بالكُليّةِ – مفقودٌ مفقودٌ مفقود! ولا ولدَ لى.

سأل الأستاذُ فى "ليلى والمجنون" سؤاله التضليلىّ فاتبعتُه وهمًا. قال: "لا أدرى كيف ترعرع فى وادينا الطيّب/هذا القدْرُ من السِّفلةِ والأوغاد"، غير إنه لم ينتبه إلى حقيقةِ الوادى الذى لم يكن طيّبًا من قبل، وإلى السِّفلةِ والأوغادِ الذين استوطنوه جيلا فجيلا، حتى إنه لم يعرف إلّاهم، ولذلك لما حاول بعضُ البررةِ تحويلَ المسار، قاوم الوادى والتفّ وأحاكَ كل مكيدة؛ ليعودَ عودًا إلى مُلاكِهِ السِّفلة، وأربابِهِ الأوغاد.

يشفع لعبد الصبور أنه يعود – فى نفسِ العملِ – إلى لومِ ليلى/الوطن حين يقول: "عوقبتِ بحرقِ ردائك/حين تركتِ فؤادَكِ لحمًا فى منقارِ الغربان"، وعادةُ ليلى أن تتركَ فؤادَها (وما بين فخذيها) لمناقيرِ الغربان (وأعضائِهم التناسلية)؛ إذ قد أدمنَتْ إنكارَنا – مَن خرجوا من صلبها/وانغرسوا فى تربها/وانطرحوا فى حبها/مستشهدين – والارتماءَ فى أحضانِ كافور الذى تعشقه العشقَ المحرم.

وقد كانت الحالُ – فيما يبدو – على هذه الشاكلةِ أبدا؛ إذ جاءها أبو الطيب وهى بين فخذى كافور، وبرحها وهى بين فخذى كافور، ليورثَنا شاعرُ العربِ مرارتَه التى لا يمحوها المُدامُ ولا الأغاريد، حتى إنه لَيتشكك فى الساقيين وفى الكأسِ نفسِه: "يا ساقيىّ أخمرٌ فى كؤوسكما/أم فى كؤوسكما هَمّ وتسهيدُ" .. السؤال ذاته الذى يعيد عبد المعطى حجازى التناصّ معه – بعد قرونٍ ما تبدلتْ فيها الحال – حين يقول: "يا ساقيىّ أخمرٌ فى كؤوسكما/أم فى كؤوسكما هَمّ وتذكارُ".

وكيف كانت الحالُ التى لم تتغير؟ يجيبُ أبو الطيب: "أكلما اغتالَ عبدُ السوءِ سيدَه/أو خانَه فله فى مصر تمهيدُ/صار الخصىّ إمامَ الآبقين بها/فالحر مستعبدٌ والعبدُ معبودُ". تلك كانت شهادتَه إذ حلّ بكذابين جودُهم من اللسانِ لا اليد، والعهدةُ على الراوى لا علىّ.

ثم ها أنت ذا تحدِّثنى عن الوطنِ أيها المخاتل...! إنك لم تسمع بعدُ بالنبأ الرهيب!
 
Posted by Muhammad | Permalink |