Thursday, November 07, 2013,00:34
فى الحادية والثلاثين - الحادية عشرة
كان علىّ فى صفه الثالث من المرحلة الإعدادية، ولأكون صريحا بلا تجمّل، أعترف إننى ما كنت أحب هذا الولد؛ لم يكن يعيش عمره على الإطلاق؛ كان يحب لعب أدوار الزعامة والمَعْلمة، فيتحدث فى أمور لا يتحدث (أو بالأحرى لا ينبغى أن يتحدث) فيها من يكونون فى مثل هذا السن؛ لا لشىء إلا لأنها قاتلةٌ لطفولتهم التى سيدرك من له بعضُ عقلٍ منهم، فى مستقبله القريب نسبيا، أنها المرحلةُ الوحيدة – ربما – التى خرج بها من هذه الحياة. كان علىّ يتابع – مثلا – مَنْ قتل مَن، وماذا فعل السادة البلاطجة بالمرشد المكتشَف، وأى العائلات تعاركت بالأمس، وأشياء من هذا القبيل. ولم يكن يشدّه ذلك على الطريقة التى يشدّ بها أترابَه، بل يتعامل بندية تامة مع أعلام المسجلين الذين يخوض فى أحاديثهم – للأسف – مع زملاء معلمين – أحيانا فى الخمسينات من أعمارهم – يُجارونه ويتحدثون إليه بأريحية مكتملة كما يتحدث الصديقُ إلى الصديق، عن تلك الأخبار العصبويّة. كان – باختصار – من ذلك النوع الذى يكبر، فيكون على الآخرين – عدا من شاكله – تحاشيه وتجنبه. أعرف إنه لا يليق بثلاثينىٍّ مثلى أن يتمادى إلى هذه الدرجة فى استعراض نفوره من طفل لم يدلف – بعد – إلى الثانوية ، لكننى – وليسامحنى الله – رأيته كشرير صغير!

ذات مساء، فى فاصل بين حصص الدرس، رحت أدخن – خارجا – فى الهواء. كان علىّ هناك إلى جوار مدرس التاريخ، يتحادثان بشأن واقعة قتل تمت فى الليلة السابقة، ثم أخرجَ علىّ هاتفَه، ليُرىَ مدرسَ التاريخ تفاصيلَ الواقعة كما تناقلتها الهواتف صورة وصوتا. انتهى المشهد، وجاء إلىّ، فابتدرتُه بالكلام. قلت: "عيش سنك يا على". قال: "لو عشت سنى يا مستر (نطقها براء مكررة) مش هعرف اعيش"!

لم تنزل كلماته على قلبى كبردٍ وسلام. الولدُ – إذًا – أكبرُ مما يبدو؛ ليس صغيرا كما توهمتُ معكم فى أولى الفقرات. لقد تجاوزتُ الثلاثين، وليس عندى من الجرأة ما أؤكد به المسارَ الذى حططتُ عليه فى الأخير؛ افتقادا – بالأساس – لمثل هذا المسار. أما علىّ، فيبدو واعيا لنوعية سلوكه، وقاصدا إليها اختيارا ورغبة؛ إذ بغير هذا النمط من أنماط السلوك – والقولُ لعلىّ – "مش هعرف اعيش".

انتهى الحوار بيننا عند هذا الحد؛ فلم أكن أعرف ما أقول. اعترفت – فورا – إن للولد منطقه، وإن منطقه قوىّ، يكاد يشدخ عقلى الضعيف، فما كان منى إلا التزامُ صمتِ الجهل! كنت غارقا فى حَيص بَيص أفكر، لو تلبستنى مسوحُ الواعظين فحدثتُه عن الأخلاق، ما يجوز منها وما لا يجوز، وأنها الصواب الواجب التزامه وإن بدت كسلعة بائرة، لو فعلت ذلك أكون خنته، هكذا فكرت؛ إذ أقررت بواقعية منطقه وصحته العملية؛ فبمثل هذا المنطق "هيعرف يعيش".

وفى المقابل، ما كان لى أن أحثه على استكمال السير فى هذا الطريق الذى قصده، وإن بدا واقعيا ومريحا؛ لأنه – ببساطة – لا أخلاقىّ، (بعبارة أدق: ليست هذه المنظومةَ القيميّة التى أنصح بها الأغيارَ مطمئنا)؛ هو لا أخلاقىّ إذًا، وسيسلبه – فى القريب – آدميتَه.

كنت أفكر لسنوات فى التعقد الذى آلت إليه حياتُنا المعاصرة؛ لقد صارت إجابةُ الأسئلة الأخلاقية التى تطرحها المواقفُ عملا متعذرا، متعذرا جدا. شاهدتم A Separation؟ شاهدوا A Separation!
 
Posted by Muhammad | Permalink |


1 Comments:


  • At Thursday, November 07, 2013, Blogger Radwa

    http://dostor.org/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%81%D9%86/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9/307930-%D9%83%D8%B1%D9%85%D8%A9-%D8%A8%D9%86-%D9%87%D8%A7%D9%86%D8%A6-%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D8%B6%D9%8A%D9%81-%D8%B9%D8%B1%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%8A%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D9%86%D9%81%D8%B5%D8%A7%D9%84