Tuesday, October 29, 2013,06:15
فى الحادية والثلاثين - التاسعة
(1)
كنتُ من الجيل الذى درس فى ثانويته رائيّةَ أبى فراس فى/إلى سيف الدولة، والتى يفتتحها الحمدانىّ على هذا النحو: "أراك عصىّ الدمع شيمتُك الصبرُ/أما للهوى نهىٌ عليك ولا أمرُ". القصيدة من عيون شعر العرب، وقد زادتها أم كلثوم شهرةً على شهرةٍ رغم التحريف النحوىِّ الشهير، الذى استبدلتْ بمقتضاه "نعم" بـ "بلى" فى قوله: "بلى، أنا مشتاقٌ وعندى لوعةٌ"، إلا إن أبرزَ ما علق بى من القصيدة – فكريا، على امتداد هذه السنوات – كان بيتَ أبى فراس الذى يقول فيه: "مُعلّلتى بالوصل والموتُ دونهُ/إذا مت ظمآنا فلا نزل القطرُ"، والذى يعنينى الإشارة إليه – فى هذا السياق – هو عجُزُ البيت على وجه التحديد: "إذا مت ظمآنا فلا نزل القطرُ"؛ إذ يوضع – عادة – فى مقابل بيت المعرىِّ أبى العلاء: "فلا هطلتْ علىّ ولا بأرضى/سحائبُ ليس تنتظم البلادا"، وذلك إثرَ بيته الذى يقول فيه: "ولو أنى حُبيتُ الخلدَ فردا/لما أحببتُ بالخلد انفرادا".
اقترن بيت أبى العلاء بالغيريّة التى تأبى الاستئثار بالخير دون الإخوان والأحبة كما يذهب البطليوسىّ؛ إنه يرفض جنةً لا تستوعب الأغيارَ، ومطرا لا يشمل الأرضين؛ يقول التبريزىّ: "وما أبعد هذا فى الشرف عما ذكره أبو الطيب فى قوله: وربما أُشهدُ الطعام معى/من لا يساوى الخبز الذى أكله، أو عما ذكره أبو فراس الحمدانىّ فى قوله: معللتى بالوصل والموت دونه/إذا مت ظمآنا فلا نزل القطرُ".
كنتُ – فى الصبا الأول – أكثرَ ميلا إلى هذه النظرة التى تعكس ميراثا عربيا قديما كان الشاعرُ فيه صوتَ القبيلة ومصدرَ فخرها، كان الشاعرُ فردا فى المجموع، وذلك فى مقابل نظرة أبى فراس التى تعكس الشىءَ الكثير من التمحور حول الذات؛ إنه يبتهل – وقد مات ظمآنا – أن تعمّ البليّة!
(2)
خارجَين من الدرس كنا، وحبر الطفولة فوق الرداء. فلنصحح ذلك؛ إذ لم نكن طفلين تماما، بل مراهقَين، لكننا خرجنا على أية حال، وكان صاحبى قد مال – بالكليّة* – إلى بيت أبى فراس. كان صاحبى – وما زال – أكثر واقعية!
(3)
يبدو أننى قد تغيرتُ عن ذاك الزمن البعيد؛ فلم يعد بيت المعرىّ ما كانه للفتى الذى كنتُه، صرتُ أكثر تقديرا لوجهة النظر الحمدانية؛ خصوصا أن أبا العلاء نفسَه قد أشار فى القصيدة ذاتِها إلى ما قد يصلح مبرِّرا للتغيّر: "فظُنّ بسائر الإخوان شرا/ولا تأمن على سرٍّ فؤادا، فلو خبرتهم الجوزاءُ خُبرى/لما طلعتْ مخافةَ أن تُكادا"؛ ولستُ أريد – ههنا – أن أنسب إلى المعرىّ ما يحتاج – قبل نسبته – إلى بحثٍ وتدقيق، من القولِ باتهامِهِ الناسَ، أو القولِ – على النقيض من ذلك – بحدبِهِ عليهم؛ فغايةُ القول إن هذا الذى يتبدى لنا وكأنه سعةُ صدرٍ مَعَرِّيّةٌ إنما يحتاج – قبل تقريره – إلى استقصاءٍ لكامل أعماله حيادىٍّ وجاد.
تغيرتُ – إذًا – وجاء ذلك – فيما أحسب – تدرجا لا فجاءة، حتى إننى كنتُ – دائما – أكثرَ ارتياحا لأولى إجابتى السؤالِ الصوفىِّ الشهيرِ عن اعتزال الناس أو مخالطتهم مع الصبر على أذاهم، أيهما أفضل؟! حتى بلغنى – أخيرا – حديثُ ابن ماجه: "المؤمن الذى يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذى لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم"، وإن ذهب الإمامُ النووىّ فى التوفيق بين هذا الحديث وحديثِ الأعرابىِّ الذى جاء النبىّ فسأله: "أى الناس خير؟ قال: رجل جاهد بنفسه وماله، ورجل فى شِعْبٍ من الشِعابِ يعبد ربه ويدع الناسَ من شره"، أقول وإن ذهب الإمامُ النووىّ فى التوفيق بينهما إلى القول: "وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأنه محمول على الاعتزال فى زمن الفتن، والحروب، أو هو فيمن لا يسلم الناس منه، ولا يصبر عليهم، أو نحو ذلك من الخصوص، وكانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وجماهير الصحابة والتابعين، والعلماء، والزهاد مختلطين فيحصِّلون منافع الاختلاط: كشهود الجمعة، والجماعة، والجنائز، وعيادة المرضى، وحلق الذكر، وغير ذلك". اهـ (ولمن أراد تفصيلَ المسألة أن يعود إلى أهل الذكر؛ فلستُ منهم).
ربما لم أرْسُ – كصاحبى، بالكليّة* – على الشاطىء الحمدانىّ، لكننى لم أعد كذلك مَعرّيّا فى هذا الصدد، ولا أكتمكم حديثا: لقد تضاعف الشرخُ منذ ما كان فى الثالث من يوليو. هيهات تفقهون!
(4)
ولما أن تجهّمنى مُرادى
جريتُ مع الزمانِ كما أرادا
* مصدر صناعى من كلّ، كقولك: أخذه بكليّته، أى أجمعه.
Posted by Muhammad |
Permalink |
-
يخرب بيت لغتك وجمالها :)
يخرب بيت أفكارك وتنظيمها
..
يخرب بيت كل حاجة يا أخي ..
.
-
رششت ملحا على الجرح يا محمد
وزي ما بيقول إبراهيم برضه
#حقد ع الماشي
-
Well,
Ibrahim, you're confusing me!
آتيك منفتحا، فتقلب المنضدة فى وجهى بلا مسوغ أو تقديم؛ أعزف عنك، فتأتينى ودودا
What is it all about, pal?
-
ربما ليظل مفتوحا يا رضوى، بدلا من أن نتحول إلى محض خراتيت
-
انا كمان درست القصايد دي.. دا احنا قدام أوي
:D
"أنا ماقدرتش خاالص استوعب قوله "إذا مت ظمآنا فلا نزل القطرُ
ليه كدا يا عم؟!
-
بلاش نضغط اوى على حكاية "قدام" دى يا ايمان؛ على رأى رضوى: رششتِ ملحا على الجرح؛ دُفعتنا دلوقتى بأت لواءات يا عمى :D
لول. اللى غرقت العالم كله عدا اتنين بتسأل فى براءة: ليه كدا يا عم. لا يا شيخة! :D
-
يا أخي هو كدا كدا هايغرق .. .. دي دورة تدريبية.. كمان مين قال انهم 2 بس.. دي حتى تبقى قفلة مش حلوة
-
انتى اللى قلتى 2 بس! وجود ناجين اخرين - حتى الآن - مجرد احتمالية. اعترفى يا ايمان انك شريرة؛ الانكار مش هيفيدك :D
-
انا عمري ما انكرت اني شريرة.. دي من الثوابت :D
وبعدين مسألة مين نجي وأد ايه عددهم دي مش شغلتي.. دي شغلة الراوي
يخرب بيت لغتك وجمالها :)
يخرب بيت أفكارك وتنظيمها
..
يخرب بيت كل حاجة يا أخي ..
.