Friday, October 11, 2013,13:27
يناير، وفقط يناير
لقد كانت أياما رائعةً ما عرف هذا الجيلُ ما أشبهها، ووافقها، أو كان منها مُدانيا، تلك الأيام الثمانية عشر. وبعيدا عن المنحنى الآخذِ فى الارتكاسِ منذ التنحّى، فلو أن العالمَ كان قد انتهى فى الحادى عشر من فبرايرَ ذاك الشتاء، لجاءت تلكمُ النهاية على نحوٍ من الاكتمالِ جليلٍ، كان خليقا بأن يضفىَ "المعنى" على المسيرةِ الإنسانية. هكذا؛ تتويجًا لكفاحٍ متطاولٍ منذ أن قتل قابيلُ أخاه؛ تتويجًا يجعلُ نهايةَ التاريخِ نصرًا لقيمِ الحقِّ والخيرِ والجمال، وربما يبرر – كذلك – (ويُسوّغ) كلّ عذاباتِ الرحلة. لقد عشنا فى ملحمة!

لكنّ التاريخَ لا يتسم – أبدًا – بهذه الطيبة، ولما كان ديالكتيكىّ الحركة، كان لابد للعدمِ أن ينخرَ فى الوجود، وللشرِّ أن ينخرَ فى الخير، حتى تستمرَ العجلة؛ إنه دفعُ اللهِ الناسَ بعضَهم ببعض، ولولاه "لهُدِّمتْ صوامعُ وبيَعٌ وصلواتٌ ومساجد". [الحج – 40]

ولأننى لا أعرفُ غيرَ هذه الثورة، فلستُ أعترفُ بغيرِ هذه الثورة؛ القولُ بغيرِها ابتذالٌ ومصلحةٌ وتصفيةُ حسابات؛ فى ينايرَ، توارتْ كل هذه الخساساتِ خلفَ الألق، وخلفَ ما بدا كروحٍ شيوعيةٍ انمحتْ معها الفوارقُ، إلا فوارقَ العدالة. ولذلك؛ أحب نسبةَ نفسى إليها، وإن آلتْ إلى ما لم يكن – قط – فى الحسبان. أنا من الجيلِ الذى حلقّتْ أحلامُه فى السماءِ زمنًا وجيزًا، ثم عاد فأفاق على التكسّرِ والخيبةِ والفشل؛ ورغمَ الفشلِ، أصِـرّ – بعدى – على النسبةِ إلى ذيّاكَ الشتاء؛ لأبدوَ – ومن آمنَ معى – كأبطالِ التراجيديا المهزومين!

لو أنى كنتُ رأيتُكِ قبلَ ينايرَ،
كانت أسرَتْنى عيناكِ الصاحيتانِ،
وخطفَتْنى خصلاتُ الشعرِ المتروكةُ ببدائيّةِ
رسامٍ بوهيمىٍّ حول الوجهِ الصابحِ،
أبيض كحليبٍ مأطورٍ بالضرباتِ التلقائيةِ من
أسودَ فحمىّ
فأنا تخلعنى من جذرى فطرياتُ الحسّ
لو أنى كنتُ رأيتُكِ قبلَ ينايرَ،
كنتُ وقعتُ كصبٍّ فى حبكِ مغرومًا،
مثلَ كُثيِّرِ عزةَ،
أو قيس الممروضِ بليلى،
أو وضاح اليمنِ المقتولِ بليلٍ،
فأنا أهوى تقليدَ أساطيرِ الحبِّ العربيةِ
حيث الخبَلُ وكسرُ الأنماطِ،
وحيث عجائبُ مَشْى دماءٍ لدماء [قصيدة "سالى زهران" – حلمى سالم]

رحم اللهُ يناير ... وشهداءَ يناير!
 
Posted by Muhammad | Permalink |


4 Comments:


Post a Comment

~ back home