Thursday, September 19, 2013,07:36
انطفاء
تعرفين؟ ليست متشائمةً، ولكنها يائسةٌ بالكليةِ دون بصيصِ أمل. تندفع فى الحياة – قصورا ذاتيا – كالمترجِّلِ من باص. لفظتْها أمها – فى الطلْق – عنيفا بما يكفى للدخول فى مدارٍ حول الأرض. لو جاءت ولادتُها طبيعيةً ما استمر الأمرُ كل هذه السنوات؛ كانت ستموت مسممَةً بالتساؤل، أو كانت ستعيش كالآحاد. أشك – أحيانا – أن للسؤال معنىً أو أهمية! أدمنَتِ السؤالَ حتى لم تعد تبحث عن إجابة. تجاوزَتْ كل طرقِ الرجوعِ الممكنة، وبقيَتْ هناك فى حضورٍ قارٍّ كالغياب.

تعرفين؟ عرفتُها قبل سنواتٍ بعيدة، ولم تكن – رغم ذلك – كذلك. كانت روحُها حيةً، والفراشةُ بداخلها لم تنطفىء بعد. كانت ملابسُها فاضحةً بالأنوثةِ دون تكلف، وقلّما لجأتْ إلى مساحيقِ الوجه. صار عندها ما تخفيه، فسمُكتْ طبقاتُ الطِّلاء. طلاها الأصفرُ من الداخل، فاحتالتْ عليه بكرنفالاتِ الخارج. يقول من يراها – الآن – إنها فى طورِ النضج؛ الحقيقةُ أنها فى طورِ القتامة.

تعرفين؟ بدتْ عاديةً تماما فى السنواتِ البعيدة، لكنها فيما يبدو كانت محكومةً بالجرثومةِ منذ البدء. كنتُ هناك فى الولادة، فعرفتُ أن الأمورَ ستسيرُ على هذه الشاكلة. ربما كان علىّ أن أنتظر قليلا حتى ينشطَ الكامن، وتظهرَ أعراضُ الطفحِ على بشرةِ الروح. كنتُ أعرفُ، وكنتُ أنتظر، ولم يكن بيدىَ أن أحولَ دون وقوعِه. هل كان بمقدورىَ شىء؟ المقاديرُ دائما ما تكون.

تعرفين؟ هذه الحياة مؤسيةٌ على نحوٍ خادش، على نحوٍ خادشٍ للحياء! جاءتنى عاريةً تماما، منتصبةَ الحلمتين، مأخوذةً بالرغبة، فعجبتُ للحيويةِ التى دبتْ فيها على غيرِ توقع! داعبتُها حتى تبللّتْ بالكآبة، وتأوّهَتْ كدرويشٍ مجذوبٍ طاشَ فى التطوّح. ترددَتْ أحبالُها الصوتيةُ فى النشوةِ البالغةِ، فاصّعّدَتْ آهاتُها من مقامٍ حزين. كان البللُ على أصابعى رطبا كالوجود. نظرَتْ لى نظرةً جارحة، وأدنـَتْ أصابعى من فمى! وتعرفين؟ كان شبقُها بطعمِ الرماد.
 
Posted by Muhammad | Permalink |


2 Comments:


Post a Comment

~ back home