Sunday, September 01, 2013,04:11
سأمٌ أعتذرُ عنه
الاختيـار من متعـدد. دائمـا ما يكون الاختيـارُ من متعـدد. واختيـارُ الواحـدِ يتضمـن إهمـالَ الكثـرة. تلك – يقـول الاقتصاديـون – تكلفـةُ الفرصـةِ الضائعـة.

والزمن – ذلك الغريب – أقصرُ من أن يتسع لكل خيار! الفيزياء التى أظهرْتُ ولعًا بها فى المدرسةِ الثانوية، والفلسفة .. لم يعد ممكنا – وليمتنعْ خبراءُ التنميةِ البشرية والمتفائلون حد التقززِ عن التعليق – أن أعود إلى دراستِهما أكاديميا كما أطمح. ناهيك عن مساراتٍ عدةٍ يستحيل – الآن – أن تخطوَ فيها خطوةً واحدة. الذاتُ مشروعُك أنت، كما يذهب الوجوديون، غير أنها تظل – فى الأخير – ذاتًا واحدة. ليس ممكنا أن نكونَ كل شىء، أو أن نكونَ كل ما لم نكنْه، بل ليس من قبيل المبالغةِ أن تُضيف: أو أن تكونَ شيئا واحدا مما أردتـَه .. أن تكونـَه كما أردت.

يعصف بى السأمُ حثيثا هذه الأيام، أكاد أفتقد الحماسةَ بالكليّة، والكلماتُ التى تعلقُ بالذهن، تضربُه كل ساعتين، ليست سوى افتتاحيةِ عبد الصبور لظلِّه وصليبِه: هذا زمانُ السأم/نفخُ الأراجيلِ سأم/دبيبُ فخذِ امرأةٍ ما بين إليتَىْ رجل .. سأم. أستشعره – عضويا – فى ثنايا الأحشاءِ أو حول الحجابِ الحاجز .. لا أدرى، لكننى لا أخطىء هذا الشعور، يجبرنى على تغييرِ وضعيتى فأهب واقفا كالملدوغ، يذهبُ عنى، لكنه لا يُخلِّف مكانـَه الراحة.

أفهم أن يكون دبيبُ فخذِ امرأةٍ ما بين إليتَىْ رجلٍ سأما. أفهم أن يتأسسَ الجنسُ فى السأم، ويحصلَ فى السأم، وينتهىَ – بعد فورةِ الأورجازم – فى السأم، مُلقيا بجسدينِ منطرحينِ سأمانينِ على فراشِ السأم. ينطبعُ الجنسُ بالفرحة، فيكون جنسا فرِحا، وينطبعُ بالحزن، فيكون حزينا، وينطبعُ بالمرارة، فيكون مرا، وينطبعُ بالسآمة، فيكون سئِما؛ الجنسُ صنوفٌ لا صنف واحد. أفهم أن يتأسسَ الجنسُ فى السأم، وأن ينتهىَ فيه، وأن يكونَ – فى آنٍ – محاولةً خائبةً للهروبِ منه.

عثرتُ – ذاتَ تقليبٍ فى أوراقى القديمةِ – على نصٍّ كتبتُه – منذُ زمنٍ – تحتَ تأثيرِ المخدِّر. كان السيرياليون وأصحابُ مفهومِ "الكتابةِ الآليِّةِ" ليحتفوا بالتجربة، أو هذا ما يبدو لى. أيا ما كان، فليس أنسبَ لنشره من هذه اللحظةِ التى أشعرُ فيها بسأمٍ بالغ! السأمُ سيدُ الموقف:

لا يفعل بنا الحشيش أكثر من نقلنا من الواقعية إلى الواقعية السحرية، فنصبح عظماء كماركيز.

كيف كان لنا أن نواجه الحياة هكذا وجها لوجه دون حاجة إلى الأثر المنبه للشاى والقهوة والنسكافيه بلا حليب، أو الأثر المخدر للحشيش وحبوب الهلوسة!

الآن أرى العالم من خلال غشاوة الحشيش السحرية؛ لا أراه، وأراه أوضح.

الحشيش يحب التبغ، فهل يحب التبغ الحشيش؟ أنا أحبهما.

أشعر كبالون ممتلىء بالهيدروجين، يوشك أن يطير .. أو ينفثىء. فسسس

الخيل والليل والبيداء تعرفنى. قابلتهم ذات مرة فى الأسانسير.

عندما تعلمتُ الأبجدية، عرفتُ أن حروفها ثمانيةٌ وعشرون. حين أخبرونى أن الأعداد لا تنتهى، دُهشت جدا.

- هل تريد بعضا من النبيذ؟
- لا، أفضِّل البلاك نسكافيه.
- مُسْكِر؟
- ليس إلى هذا الحد.
- إذن أحضر لك بعض النبيذ.

أمل دنقل يريد لها أن تذكره. أريد أن أنسى أمل، وأنساها.

كافكا. كيف كانت تركيبتُه النفسية؟

صلاح عبد الصبور. تكريما له؛ جعلتُ من ديوانه غطاءً لكوب الحشيش. أحتفظ بقطع الحشيش فى كتابٍ عن إليوت. على المرء ألا ينسى آباءه الفنيين.

يرى بوب مارلى أن الحشيش يعلمنا كيف نجد أنفسنا، وعندما نصل إلى أنفسنا، نصل إلى His Majesty. هكذا كُتبت بحروف افتتاحية كبيرة. أرى أن مقولة بوب مارلى لن تصل بنا إلى أى شىء .. سوى جهنم.

لماذا ينشغل الملحدون بنفى وجود الله إلى هذا الحد؟ لو كنت ملحدا، لعشت حياتى وحسب.

لو ضحكت الآن، فلن أتوقف. لكنْ أين ما يُضحك؟

هذا الرجل فرويد غريب وخبيث. حوّل العالم بأكمله إلى قضيب.

ماركس يا ذا اللحية الكثة، لو كنتَ هنا الآن، للففتُ لك سيجارة ثورية.

الشكلانيون الروس كانوا بارعين حقا حين حدثونا عن "كسر الألفة". لابد أنهم قد توصلوا إلى هذا الفكرة تحت تأثير الحشيش.

أنا الآن أتفلسف. أنا تحت تأثير الحشيش. إذًا، كل الفلسفة قد تُوصِّل إليها تحت تأثير الحشيش. رغم المغالطة المنطقية، يظل الحشيش أبا الفلسفة.

هيجل! تلك البيضة الألمانية.

كيركجورد أورثنى "الشوكة التى فى اللحم".

لم يقف سارتر طويلا عند إثبات أو نفى وجود الله. دلف مباشرة إلى الموضوع.

الحماقة بعينها أن تدخن الحشيش، ثم تجلس للكتابة.

أنا أحمق كبير.

لماذا تحمّل لير – مطلق السلطة – بهلوله اللاذع؟ كان عليه أن يقتله .. هكذا .. طلبا للمرح.

هؤلاء الذين لم يستمعوا لفيروز تحت تأثير المخدر، ماذا عرفوا من فيروز؟ نحن عرفنا فيروز. نحن – الحشاشين – عرفنا فيروز ونتيه عليكم بذلك يا أبناء الصحو.

لكم صحوكم، ولنا فيروز.

كان فرعون قد تخطى مرحلة عضوية البرلمان ورئاسة الحكومة ثم الدولة، ولما لم يَدْرِ ما يصنع بعد أن وصل فى ترقيه إلى "الفرعنة"، قال "أنا ربكم الأعلى". المدهش فى المسألة أن المصريين عبدوه.

- ماذا تفعل إذا واتتك رغبة ملحة لتدخين سيجارة، ثم اكتشفت نفاد علبة الكبريت؟
- أشعلها بالقدّاحة.
- وإذا لم يكن لديك قدّاحة؟
- انت ابن ستين كلب.

صاحبى الذى ذهب لإحضار النبيذ لم يعد.
 
Posted by Muhammad | Permalink |


4 Comments:


Post a Comment

~ back home