Friday, August 16, 2013,09:21
Irreversible
كنتُ على طرفِ الجسر، وكنتَ على الطرفِ المقابل، ثم سقط – بيننا – جسرُ لندن. صدِّقنى يا رفيق، حاولتُ طويلا أن أمدّ يدى. قلتُ سأعترفُ بأخطائى كاملة، ولتعترفْ، ولنتلاقَ فى المنتصف، لكنك أبيتَ إلا أن تُحمّلنى الجريمةَ وحدى، وكأنك ملاكٌ ما اقترفَتْ يداكَ ما اقترفتْ يدى، وكأننى شيطانٌ محضٌ لا مقدسَ له.

الآن إذ سقط الجسرُ صار كلّ شىءٍ متأخرًا عن موعدِه: القطارات، السفن، وأصابع المصافحة. تلومنى؟ فات أوانُ ذلك بالمثل؛ ما عاد للّوم بيننا طريق. توازت طرقُنا فلن تلتقى. وسيتابعُ كلانا قضبانَ الكراهيةِ حتى المُنتهى. تلومنى؟ وتحسبنى أعبأ بنبرتِكَ المتهدجة؟ وتحسبنى أعبأ بك؟ مضحكٌ أنت يا رفيق. لقد انتهى ما انتهى، وليس بعد النهايةِ بدء.

لغتُك غريبةٌ بالكليّة. ما عدتُ أفهمك، وما عدتُ أرغبُ فى ذلك. تستشعرُ الشىءَ نفسَه؟ وهل أبالى أن أعرف؟ أفقْ يا رفيق، نحن جنسان مختلفان، ومساحةُ واحديّةِ الهمِّ لم تكن غيرَ وهم. همّك همّك، وهمّى همّى. همّك همّك، وهمّى لى. لنكفّ – إذًا – عن التظاهرِ بما لم يعد حقيقيا بالمرة؛ لقد انهارَ جسرُ لندن.

دائرتانا المتقاطعتان تباعدتا، فظلتا متماستين، ثم تباعدتا. صارتا خطّينِ مستقيمين، وكلّ خطٍّ ينزاحُ فى اللانهايةِ بعيدا عن صاحبِه. لقاؤُنا مستحيلٌ يا رفيق. لقاؤُنا ضدّ قوانينِ الفيزياءِ والرياضيات، ضدّ طبيعةِ الأشياء، وعلينا – الآن – أن نقفَ لحظةً واحدةً قبل المنحدر؛ لنعترفَ – ككائنينِ ناضجين (متمايزى الجنسِ) – بذلك، ثم ليسقطْ كلانا فى هُوّتِه. وهُوّتى ليستْ هُوّتـَك، وهُوّتـُكَ ليست هُوّتى. ما عاد ممكنا – حتى – أن تجمعَنا هُوّةٌ واحدة.

كنا هناك سويّا فى ذاك الشتاء. تذكرُ ذاك الشتاء؟ كانت أحلامُك عريضة، ألم تكن كذلك؟ وكان حُلمى فسيحا كالمدى. كانت السماءُ فى مرمى الأكف، ألم تكن السماءُ – يا رفيقُ – فى مرمى الأكف؟ ثم ابتعدتِ السماء، وابتعدنا، وتلاسنّا، وتصارعنا، وتخليتُ عنك، وسخرتَ منى. لكننى عدتُ فمددتُ يدا، ألم أمدّ يدا؟

تحسبُ أننى أستميلك؟ لا، يا رفيق. إنه شجنُ التذكرات، وفرحةُ أيامٍ ما أحببتُكَ قطّ كما أحببتُكَ فيها. أما الآن، فصدّقنى، لقد فاتَ الأوان. ولولا لحظةُ صفوٍ عابرةٍ لكنتُ منشغلا بكراهيتِك، التى سأعودُ إليها ما أن أكفّ، ما أن تروحَ عنى وتعودَ إلى بنى جنسِك، وما أن أعودَ إلى مَن يعرفونَ ملامحى وخطوطَ يدى.

أكرهُكَ وأزدريك، وقد فاتَ الأوان؛ فقد انهارَ – بيننا – جسرُ لندن، ولا رجوع.
 
Posted by Muhammad | Permalink |


2 Comments:


  • At Friday, August 16, 2013, Blogger shaimaa samir

    يمكن موصلتش لحد الياس فى حياتى قبلكدة بالشكل ده
    بس طول ما انا بقرا البوست ده يا محمد والايه دى بترن فى ودانى بشكل رهيب
    وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما فى الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله ألف "

    يمكن ربنا بيقولى حاجة فعلا

     
  • At Saturday, August 17, 2013, Blogger Muhammad

    اظن يا شيماء اننا نيأس لأن عيوننا على النتائج، لكن هل نحن مكلفون بالنتائج؟ لنا المسار المطلوب فقط، ثم بعد ذلك لن يحدث شىء فى كون الله إلا بقدر الله. فسلمى امرك لله

    ألف الله بين قلوبنا، وجمعنا على مراده منا

    شكرا للمرور يا شيماء :)

     

Post a Comment

~ back home