Tuesday, July 02, 2013,11:31
فى الحادية والثلاثين - الرابعة
كان ديموقريطس وهرقليطس فيلسوفين، عد أولهما الحالةَ البشرية مضحكة، وباطلة، فما ظهر بين الناس إلا والضحك والسخرية ملء فمه، أما هرقليطس فقد أشفق على الحالة البشرية وعطف عليها، فما انقشع الأسى عن وجهه يوما وما خلت عيناه من الدموع.
هكذا يروى صلاح عبد الصبور – نقلا عن مونتينى – فى كتابه "حياتى فى الشعر". وقد كنتُ – تأثرا برؤية الناقد الدكتور عز الدين إسماعيل لدالـيّة المعرىّ – لا أرى فارقا بين موقفى الفيلسوفين؛ إذ تمتزج الدمعةُ بالبسمةِ فى صوتٍ واحد يعلن به الوجودُ عن نفسه. يقول أبو العلاء: أبَكَتْ تلكم الحمامةُ أم غنّتْ على فرع غصنها الميّادِ، وكأن البكاء والغناء يقعان على متصلٍ يكاد طرفاه أن يدنوا إلى حال من الاتحاد، أو هما كذلك.
وفى أوقاتٍ قد يبدو الوجودُ وقد انطبع بالألم، أو السأم، أو المرارة، أو السخرية، غير أن الشعور المستمر الذى يراودنى الآن بصدده هو الأسى، فأراه أكثرها جميعا قربا من حقيقته؛ فلا هو مثيرٌ للسخرية حد الاطمئنان لهذه الرؤية، ولا هو فاجعٌ أبدا؛ إذ كل تلك أعاريض على خطه الذى يعلو ويهبط فى صيرورته التى لا تقر، أما الأسى فطابعه الأكثر التصاقا به على طول المنحنى. الوجود مؤسٍ بالذات، والأسى – كما أفهمه – وسطٌ رزينٌ بين المتطرفات، وهو دون الفجيعة. ولعل ذلك – والأمرُ مشتبهٌ علىّ – يكون جوهرَ ما أشار إليه عز الدين إسماعيل فى حديثه عن بيت المعرىّ، حين يمتزج البكاءُ بالغناء فيخفف أحدُهما غلواءَ الآخر، والعكس بالعكس، مُتَرَكِّبَيْنِ فى الأسى كمنتوجٍ هادىءٍ يوشك أن يتماهى ورؤيا التصوف.
يقول عبد الصبور: هناك شىءٌ فى نفوسنا حزين/قد يختفى ولا يبين/لكنه مكنون/شىءٌ غريبٌ غامضٌ حنون، لتثير سطورُه عن ذلك الشىءِ الحزين الحنون والشفيف – داخلى – شعورَ الأسى كما أقصده. وهو لا يثير – عندى – النقمةَ بقدر ما يثير التعاطفَ وتفهّمَ التشاركِ فى الهمِّ والمصير.
توقفتُ – مؤخرا – عند قوله تعالى "واللهُ يعلمُ وأنتمْ لا تعلمون" ودهشتُ له؛ هل ينفى اللهُ عنا – فى الآية – أصلَ العلم؟ أى إننا لا نعرف – حقا – أى شىء، وما كل ما نرزح تحته سوى أباطيل وضلالات؟ أضحك الآن للمفارقةِ بين هذا الفهمِ وبين البشريةِ التى غرّتها معرفتـُها بالذات! حتى إن هذا الهاجسَ ليراودنى المرة بعد المرة: ذات يوم، فى هذا العالم أو فى العالم الذى يليه، ستتبدّى لنا الأشياءُ على نحوٍ مغايرٍ بالكليّةِ لما اعتادتْ أن تبدوَ عليه، ستتبدّى على حقيقتها التى لم نعرفها من قبل، وسندرك – بعد كشفِ الغطاءِ – كم كنا فى الوهم. يشبه ذلك – رغم بـُعد المقارنةِ – تغيّرَ نظرتنا إلى الكون من فيزياء نيوتن (التى جعلته ميكانيكيّا) إلى الفيزياء الحديثة (التى أطاحتْ باليقين)، وشدّ ما كان الفارقُ بين النظرتين! لكنّ رؤيتَنا بعد انكشافِ الغطاءِ ستجىء أعظمَ من ذلك فى المفارقةِ بما لا يُقارن، وكأنّ غايةَ الرحلةِ التى قطعتْها/تقطعُها/ستقطعُها البشريةُ لا شىء سوى إقرارها بإقامةِ معرفتِها/كلِّ معرفتِها فى الجهل.
Posted by Muhammad |
Permalink |
-
محمد سادرس هذة المكاتبه جيدا فطريقتك فيها كعادتك رائعة ولكننى شعر اننى ساستفيد منها فى عملى على الماجيستير حيث الربط بين القول وراى الشخصى// محمد نتعلم منك بصورة مباشرة وغير مباشرة
اما عن محتواها :)
-
الله
ـــــ
الفقرة الأخيرة بالأخص هي أقرب ماقرأته على الإطلاق لشعوري تجاه العلم واليقين بالمعرفة الإنسانية
محمد سادرس هذة المكاتبه جيدا فطريقتك فيها كعادتك رائعة ولكننى شعر اننى ساستفيد منها فى عملى على الماجيستير حيث الربط بين القول وراى الشخصى// محمد نتعلم منك بصورة مباشرة وغير مباشرة
اما عن محتواها :)