Thursday, May 30, 2013,16:04
سلامٌ على إبراهيم
خدعنى
إبراهيمُ مرةً فنصحنى بالخروج فى
موعدٍ مع فتاةٍ لا تحب الكتابة، وأغوانى على ذلك بالمغويات، حتى كدتُ أركن إليه وأصدقه، فأتخلى عن حلم العمر فى فتاةٍ تحبنى وتحب الكتابة. وخدعنى إبراهيمُ مرةً بقوله إنه
لتمام الظهور، لابد من غياب*؛ ونسب فريتَهُ – عليه من الله الرحماتُ – إلى العارفين. سلامٌ على إبراهيم، ولينبئْنى عارفوه عن غيابٍ لا ظهورَ بعده، إن كانوا للرؤيا يعبرون!
كتب فصلا
فيمن أحبها فلم يتزوجها فدخل النار، فإن تزوجها دخلا النار معا. قلتُ – وبالله التوفيقُ – وما أشبهتِ النارُ التى يكون فيها وحده النارَ التى يكونان فيها معا. والفقهاءُ وإن اختلفوا فى المسألةِ فالراجحُ من أقوالهم – بدليله – تفضيلُ النار التى يكونان فيها معا على النار التى يكون فيها وحده؛ ذلك أن نارَ وحدتِهِ معلومةُ التحقق، وقد سرَتْ تجربتُها فى الأولين والآخرين، أما نارُهما معا فشرطُها اجتماعُهما فى الزواج، وهو ما لم يتسنّ لمحبٍّ من محبوبه؛ إذ عهد الخلق منذ آدم افتراق المحبين دون اجتماعهم، فيكون التوقفُ حتى حصولِ الحالةِ مناطِ الحكم، ثم البتّ فيها برأى يراعى اندلاعَ النار من عدمه، وطبيعتَها، ومقارنتَها بالنار التى يكون فيها وحده.. إلى آخر جوانبِ المسألة. ولمّا كان حدوثُ ناره وحده يقينا، وحدوثُ نارهما معا شكّا لا دليلَ له، قالوا بتفضيل الثانيةِ على الأولى؛ إذ لا يزيلُ الشكُّ اليقين.
قال بذلك من مشايخنا أصحابُ مذهبِ النـزقِ فى المحبة، ورافضةُ التعقّل، وأهلُ الباطن؛ والحملةُ فى كتبهم على العقلِ والتعقّلِ بادية؛ فتأمّل!
ـــــــــــــــــــــ
* حدثنا إبراهيم بن عادل عن فلان عن علان عن تِرتان عن نطّاط الحِيط عن سارقِ التِّبن من الغيط أنه قال: لتمام الظهور لابد من غياب. قال الحافظ: وإبراهيمُ متروكُ الروايةِ لوهمه.
,00:08
المُكاتبات - الرابعة
وموضعُكِ منى موضعُ اللبنِ يخرجُ من بين فَرْثٍ ودمٍ خالصًا سائغا، ومجراكِ منى مجرى الغضبِ من ابنِ آدمَ إذا تمكّنَ منه .. غيرَ أنك لا تذهبين بالوضوء.
وأنا لا أبيعكم لقاءَ ثلاثينَ فضة، ولا أنكركم قبل أن يصيح الديكُ صيحاتٍ ثلاث؛ بل أحمل عنكم صليبَ الحزنِ وأصعد الجلجثةَ وحدى. بتُّ البارحةَ فى البستان، وقلتُ يا إلهى لو أمكنَ أن تعبر عنى هذه الكاس، لكنّ طعمَها فى الفم مُرّا كان قد بدأ، فعلمتُ أننى – لابد – داخلٌ فى التجربة، وأننى لستُ بناجٍ من الشرير.
وموضعُكِ منى موضعُ الصليبِ من الحلاج: خلاصا وألما، وبك تتم الدورة، فيحقق قاتلى مشيئتى، وليس يصحُّ وضوءُ ركعتى العشقِ بغير الدم. ومجراك منى مجرى رمادِ جثتِهِ من مياه دجلةَ تحمله معها حيث سارتْ، وتحطّه حيث تريد.
ولقد تعلقتكم تعفّفًا كعنترة، وتولّهًا كالمجنون، وتفحّشًا كامرىء القيس، وتماجنًا كابن هانىء، واجتراءً كابن أبى ربيعة، واشتياقًا كابن زيدون، وتفلسفًا كحكيم المعرّة، وسماعًا كبشار، ومشاهدةً كالصوفية، وخلاصًا كعبد الصبور. فمررتُ بدوركم التى لا يشبه سوادُ أرضِها سوادَ أرضى، وبكيتُ الأطلالَ، وقلتُ يا صاحبَىّ، وافتتحتُ القصيد.
وموضعُكِ منى موضعُ عبلة وعنيزة وليلى وبثينة وسعاد وعزة وولّادة وهريرة وخولة وهند... أنتِ المعشوقاتُ إذ حللْنَ فيكِ بدنا، ونزلْنَ منكِ منزلةَ الجزءِ من الكل، وأنا العاشقُ السىءُ الحظ، لا أستطيع الذهابَ إليكِ، ولا أستطيع الرجوعَ إلىّ. تمرّدَ قلبى علىّ.
Wednesday, May 29, 2013,10:55
كلام
مفتتح: يا صاحبى إنى حزين
طلع الصباح فما ابتسمتُ ولم يُنر وجهى الصباح (1)
غيرَ أنى لم أخرج من جوف المدينة طلبا لرزق؛ فقد اكتفيتُ بالعزلة واكتفتْ بى، حتى أمضينا الليل بأكمله تفننا وابتكارا (وارتجالا) فى أوضاع المضاجعة. ابتدأنا بالقُبَل وبتلامسات الشفاه، ثم داعبتنى وداعبتها، ثم اعتلتنى واعتليتها، ثم كان بيننا ما كان مما لا يجوز البوح به. لم تخمد شهوتُها رغم ذلك؛ فهى شبقةٌ إلى أبعد حد. وفى خبرةٍ مثيرة للـ threesome، شاركتْنا الوحدةُ.
فاصل جاهلى: وليل كموج البحر أرخى سدوله
علىّ بكل أنواع الهموم ليبتلى
فقلتُ له لما تمطى بصلبه
وأردف أعجازا وناء بكلكلِ
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلى
بصبح وما الإصباح منك بأمثلِ (2)
وقد عرفتُ صدقَ الملك الضليل بحضور الشمس؛ إذ أشبَهَ الإصباحُ ليلَه، فجاء بنفس الهموم. أقبلتْ كصاحب دار، ولما لم تجد موضعا، نامتْ على رموشى؛ لتمنعنى النوم.
فاصل تفعيلى: فى قلب العاجز ماذا يلقى العاجز
ماذا يهب العريان إلى العريان
إلا الكلمة
والجلسة فى الركن النائى،
قزمين ودودين
صغرا صغرا، حتى دقا (3)
ابتُليتُ بصلاح منذ كنت وردة أتفتح، فتفتحتُ عليه. هل استسلمت له حتى صرت شبيهه، أم كنت شبيهه فاستسلمت له؟ ربما لن أعرف إجابة لهذا السؤال أبدا! لكنّ السائر فى مدينة صلاح لا يصادف فى شوارعها غيرَ الحزن، وفى أحيائها غيرَ العجز، وفى حاراتها غيرَ العُرى، وفى أزقتها غيرَ الضآلة. كان صلاح بطلا ضدا، وعنه ورثتُ ما ورثتُ من رؤىً ومرارة.
وعن الجامعة بن داود ورثتُ شيئا من العدمية، قَلّ أو كثُر، ولأعترفْ. باطل الأباطيل، قال الجامعة. باطل الأباطيل، الكل باطل. ما الفائدة للإنسان من كل تعبه الذى يتعبه تحت الشمس. دور يمضى، ودور يجىء، والأرض قائمة إلى الأبد. والشمس تشرق، والشمس تغرب، وتسرع إلى موضعها حيث تشرق. الريح تذهب إلى الجنوب، وتدور إلى الشمال. تذهب دائرة دورانا، وإلى مداراتها ترجع الريح. كل الأنهار تجرى إلى البحر، والبحر ليس بملآن. إلى المكان الذى جرت منه الأنهار، إلى هناك تذهب راجعة. كل الكلام يقصر. لا يستطيع الإنسان أن يخبر بالكل. العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتلئ من السمع. ما كان فهو ما يكون، والذى صنع فهو الذى يصنع؛ فليس تحت الشمس جديد. إن وجد شىء يقال عنه انظر، هذا جديد. فهو منذ زمان كان فى الدهور التى كانت قبلنا. ليس ذكر للأولين. والآخرون أيضا الذين سيكونون لا يكون لهم ذكر عند الذين يكونون بعدهم. أنا الجامعة كنت ملكا على إسرائيل فى أورشليم. ووجهت قلبى للسؤال والتفتيش بالحكمة عن كل ما عمل تحت السماوات. هو عناء ردىء جعلها الله لبنى البشر ليعنوا فيه. رأيت كل الأعمال التى عملت تحت الشمس، فإذا الكل باطل وقبض الريح. الأعوج لا يمكن أن يقوم، والنقص لا يمكن أن يجبر. أنا ناجيت قلبى قائلا ها أنا قد عظمت وازددت حكمة أكثر من كل من كان قبلى على أورشليم، وقد رأى قلبى كثيرا من الحكمة والمعرفة. ووجهت قلبى لمعرفة الحكمة ولمعرفة الحماقة والجهل. فعرفت أن هذا أيضا قبض الريح. لأن فى كثرة الحكمة كثرة الغم، والذى يزيد علما يزيد حزنا. (4)
قل لى – بربك – كيف كان لى أن أتجاهل ما خطّ هذا الرجل؟ وكيف كان لى أن أتجاهل نهرى الذى يجرى إلى بحرِ الموت، وبحرُ الموت ليس بملآن؟
فاصل صوفى: دخل جماعة من الناس على الشبلى فى مارستان، وقد جمع بين يديه حجارة، فقال: من أنتم؟، فقالوا: نحن أصدقاؤك ومحبوك. فأقبل عليهم يرميهم بالحجارة، وأقبلوا يهربون. فقال: ما لكم؟ ادعيتم محبتى، فاصبروا على بلائى.
ما لم يورده ابن خلدون فى المقدمة: وكان أهل هذا الحى من العرب لا يعرفون الحب ولا يعرفهم، كأنهم جلمود الصخر، حتى انزاحت إليهم بدعة الحب، وظهرت بين ظهرانيهم، فقاوموها واشتدوا فى ذلك كما لم يشتدوا فى مقاومة بدعة من قبل. حاولوا إقناع الصابئين بالعقل ابتداء، ثم أطمعوهم بالمال والملك وخلود الذكر كرجال عادوا من بعد ضلالة ونساء تبن إلى آلهتهم من بعد غىّ، فارتد إلى ملة قومه من ارتد، وبقى منهم من بقى. ثم كان من أمر هذا الحى أن بالغ فى نصب الشِراك لأتباع البدعة الجديدة، وكانت أحب طرقهم – فى الردع – إلى أنفسهم طريقة نقلوها عن العجم لم تسمع بها العرب من قبل، فكانوا يأتون بالمحب من هؤلاء، ويضعون فى استه الخاذوق؛ حتى يبرد حشاه مما يجد من لوعة ومواجيد. والخاذوق – كما تواترتْ فى وصفه الروايات – قضيب من حديد مدبب الرأس. فكانت قسمة المحبين أن يعانوا الحب وأحواله أحياء، ثم تكون نهايتهم الخاذوق. إلا أن البدعة قد تفشت – كما هو معلوم – رغم كل ما كاد لها القوم.
ما لم أقله: مقدمة: وجود احتمالين يضعف من فرصة تحقق كل منهما على حدة.
نتيجة: لنكن – أنا وأنت – احتمالا واحدا؛ حتى لا يعود من تحققه مفر؛ ونصير من الاحتمالية إلى الوجوب والضرورة.
وما لم أقله: لأنه ما من حُبٍّ يستمرُ أكثرَ من خمسِ دقائق/لأن الساعةَ تغذُّ الخطوَ وتعاجلُ نفسَها فى الدقائقِ الخمس/لأن دقيقةَ الحُبِّ لا تعدلُ ستينَ ثانيةً (بل تقلُّ عن ذلك كثيرا)/لأن ثانيةَ الحُبِّ لا محلّ لها من التوقيت/لأن التوقيتَ يحملُنا حملًا إلى الموت/لأن الموتَ يندفعُ نحونا ليختزلَ المسافة/لأن المسافةَ لعنتُنا وجُرحُنا المقيم/لأن جُرحَنا ينزفُ دما ويحتاجُ إلى الالتئام/لأن الالتئامَ يتطلّبُ أكثرَ من خمسِ دقائق/لأن الساعةَ تخطو على مهَلٍ فى الدقائقِ الخمس/لأن دقيقةَ الالتئامِ لا تعدلُ ستينَ ثانيةً (بل تزيدُ عن ذلك كثيرا)/لأن ثانيةَ الالتئامِ عُمرٌ بأكملِه/لأن أعمارَنا أقصرُ من أن تتسعَ لذلك/فلنفترقِ الآن قبلَ أن نخطوَ فى الحُبِّ أولَ خطوة.
خاتمة: لا تخرجْ من باب البيت
لُذ بالصمت
كن منفردا حتى الموت (5)
ـــــــــــــــــــــــ
(1) صلاح عبد الصبور.
(2) امرؤ القيس.
(3) صلاح عبد الصبور.
(4) سِفر الجامعة – الإصحاح الأول.
(5) فتحى سعيد.
Tuesday, May 28, 2013,02:48
ليليّة
مُفتتح: أنا رجلٌ من غمارِ الموالى
فقيرُ الأرومةِ والمنبتِ
فلا حسبى ينتمى للسماءِ
ولا رفعَتْنى لها ثروتى
وُلدتُ كآلافِ مَن يولدون
بآلافِ أيامِ هذا الوجود
لأن فقيرًا بذاتِ مساءٍ سعى نحوَ حضنِ فقيرة
وأطفأَ فيها مرارةَ أيامِهِ القاسية
الفرح عابر واستثناء. الفرح شهاب ثاقب ما أن يبرق حتى يحترق، وهو يبرق ليحترق. ليس له من غاية سوى لحظة الاحتراق، وما تخلفه فينا من رماد. الحزن هو سيد الموقف. هو المتمرس فى كل البيئات. هو الذى يمسك دائما بخيوط اللعبة وبأطراف النهاية. الفرح متواطىءٌ وسيدَ الموقف؛ فهو يدهمك – حين يدهمك – لمأرب مخاتل ومُتَخَفٍّ؛ لا من أجل أن يمنحك لحظة من الهناءة، فتستطيعَ المواصلة، بل من أجل أن يُمَنِّيَك ويغريَك به، فتطمئنَ، فيأخذَك من حيث احتسبت ومن حيث لم تحتسب، ويتركَك عالقا فى قهوة الحزن الكابية. الفرح حزن فى زىِّ التنكر.
ساد الحزنُ حتى دَمَعَ العنب. وقد دَمَعَ العنب حتى أتى على كل ما فيه، فصار زبيبا. لا ينتمى العنب إلى هذا العالم. وحده الزبيب ما تصلح له تربة الأرض. الزبيب جاف ومُغَضّن، ضربته – كأقفيتنا – الشمسُ والتجاعيد، حتى فقدَ عصارته. وما دام الزبيب قد عرف الفقد، فهو أولى بهذا العالم من العنب.
الكتابة تبذّلٌ نفرّ به من المواجهة. نحن أجبن (وربما أضعف) من أن نواجه كل هذا الأسى، فنحتال على النظر مباشرة فى عينى الحقيقة بالكتابة. ربما تقتضى المسئولية والكرامة خلافَ ذلك .. تقتضى أن نواجه، وأن نقتحم، وأن نغوص طوليا فى لحم الحزن؛ لا فى محاولة خائبة للانتصار عليه، أو التعايش معه كرفقة لا مفر من وقوعها، بل من أجل أن نعانىَ فى استمراريةٍ لا تنقطع. ولا تتوهمْ – أيها العابر – أننى أقصد إلى شىء من قَبيل التسامى؛ فكل ما أعنيه هو الرضا بالدور المحدد، ولَعِبِهِ بإجادة؛ إذ ما دام منوطا بنا أن نعانىَ، فلنعانِ، ولتكن معاناتُنا بالطريقة الصحيحة، تماما كما يجب.
فى الألم تتجلى الفرديّة كما لا تتجلى فى ما عداه. ينكمش العالم حتى لكأنه ثقبُ إبرة، ولا يتسع للذات غير نفسها. تتشرنق، وتحاول احتلال أصغر مساحة ممكنة من حيّز المكان، وتُبادل العالم زهدًا بزهد؛ فلا هو مُبالٍ أو راغبٌ فى مد يد العون، ولا هى تتطلع إلى يده التى لا يمدها. كل ما تبغيه الذات فى وحدة الألم أن تنفرد بها؛ لتعانىَ فى صمت. كل ما تبغيه أن يدعها العالم وحيّزَها الصغير.
كل القصص تبدأ من "طأطأ"، لتنتهىَ عند "سلامو عليكو"؛ فهنيئا لـ "طأطأ" مُبتدا الحكايات، وما يشهده من أشياء بعدها فى البكارة. وددت – رغم ذلك – لو نظرت فى قلب "سلامو عليكو" من الداخل؛ لأرى كيف صارت به الحال بعد كل هذه القساوات: رحيل – فقد – موت – خيبة – انكسار – فراق... والقائمةُ تطول. كيف تحمل قلبك كل هذا الوجع يا "سلامو عليكو"؟! كيف شهدت كل النهايات دون أن ينفثىء قلبك كفقاعة صابون؟!
وكـان أن حَكَـوا لنا فيما حَكَـوا من طفولة أن الـ "طيب" والـ "كدهون" التقـت الـ "أصلا" والـ "بقى". لم أعد أذكر من التفاصيل سوى أن اللقاء قد انتهى عند "سلامو عليكو".
خاتمة: معذرةً يا صُحبتى، قلبى حزين
من أينَ آتى بالكلامِ الفرِح
Monday, May 27, 2013,04:15
المُكاتبات - الثالثة
أخذْتَنا، فما ردَدْتَنا، فلا ردَدْتَنا؛ إنّا نبغى أنْ نظلّ بكَ فيكَ مأخوذين. أتعبْتَنا تعبًا من غيرِ جنسِ التّعبِ، وأرحْتَنا راحةً من غيرِ جنسِ الرّاحةِ، فلا أتعبَنا تعبُكَ (وإن أتعبْتَنا)، ولا أراحتْنا راحتُكَ (وإن أرحْتَنا)، وما تشَكّيْنا فى الحالين. أمّـنْتَنا، فأمَتّنا بكَ من حيثُ أحيَيْتَنا، وأحيَيْتَنا بكَ من حيثُ أمَتّنا، فلا كانتْ حياتُنا قبلَكَ حياةً ولا من بعدِ أنْ أحْيَيْتَنا، وكان موتُنا قبلَكَ موتًا وما كان موتًا ما أمَتّنا. تقبّلْتَنا، فأقْبَلْنا، فقَبّلْنا، فقَبِّلْنا؛ إنّا رأيْناكَ فى مناقيرِ الحَمامِ وفى دمعِ العِنَب. رقّعْنا بكَ ثوبَنا، وتخَرّقَ فيكَ صبرُنا، فسَتَرْنا باطنَ ما تخَرّقَ بظاهرِ ما ترَقّعَ، حتى ضاقَ علينا الثوبُ، واتّسَعَتْ بكَ فينا الخُروقُ؛ إنّا فى الصبرِ مَخْروقون. نادَيْتَنا فأفرَحْتَنا، وكان لَبْلابـُنا ليرتقىَ إليكَ الجُدُرَ وإنْ أبكَيْتَنا، فباكَيْتَنا بالفرحِ فى الفرحِ حتى أبكَيْتَنا، وباهَجْتَنا بالبُكاءِ فى البُكاءِ حتى أبهَجْتَنا؛ فَرْحُنا أنتَ وأنتَ البُكاءُ وأنتَ امتزاجُهما فى اللقاء. صادَفْتَنا، فصَدّقْتَنا، فصَدَقْتَنا، فصادَقْتَنا، وصادَفْناك، فصَدّقْناك، فصَدَقْناك، فصادَقْناك، ثُمّ التَقَيْنا، فتلاقَيْنا، فائتَلَفْنا، فتآلَفْنا، فتَعارَفْنا، فاعْتَرَفْنا، فانشَقَقْنا بالبوحِ للبوحِ، فشَقْشَقْنا، واشْتَقَقْنا ما تيَسّر من مفرداتِ الوَصْل. أمّلْتَنا، فأمَلْتَنا، فآلَمْتَنا، فألمَمْتَ بنا المواجيدَ حتى أذهَلْتَنا، وعن أنفسِنا أخَذْتَنا، فما ردَدْتَنا، فلا ردَدْتَنا؛ إنّا نبغى أنْ نظلّ بكَ فيكَ مأخوذين.
Sunday, May 26, 2013,04:14
سُلُوك
كنتُ سائرًا، فأوقفَنى فوقفْتُ. وكنتُ واقفًا، فأجلسَنى فجلسْتُ. قلتُ أبكِنى فأبكانى فبكَيْتُ. وقلتُ انتشلْنى، فقال ليس يمدُّ يدَهُ إليكَ إلا أنت. قلتُ راحَ كلُّ إِلفٍ، فقالَ هذا أولُ الهناءة. قلتُ مُستوحشٌ، فقالَ زِدْ. قلتُ مُتعبٌ، فقالَ زِدْ. قلتُ مُتواجدٌ، فقالَ جِدّ. قلتُ أحتاجُ ظلّا، قالَ لا يكونُ الظلُّ إلا فى الحَرور. قلتُ وعلامَ؟ قالَ بغيرِ ذلك لا يكونُ وصولٌ ولا محصول. قلتُ كبدى مُقرّحةٌ، قالَ فأنتَ على الدرب. قلتُ نفسى مُفرّقةٌ، قالَ ليس بعد التفرّقِ إلا الجمع. قلتُ أجدُنى؟ قالَ تجدُكَ بالوجد. قلتُ أفقدُنى؟، قالَ تفقدُكَ بالوجد. قلتُ وأبقى فى الفقدِ؟ قالَ تبقى فى الفقدِ بالوجد. قلتُ أعودُ فأصحو؟ قالَ كلٌّ حسبَ عطائِه. قلتُ مُتواجدٌ، قالَ تواجَدْ حتى تجِد. قلتُ مُتباكٍ، قالَ تباكَ حتى تبكى. قلتُ جائعٌ، قالَ جوعُكَ زادُك. قلتُ ظمِىءٌ، قالَ وهذا سبيلُ الرِىّ. قلتُ قلبى فى الأسبابِ، قالَ قَطِّعْ منها أوتارَه. قلتُ كيفَ؟ قالَ انظرْ إلى ما تحقّقَ بعينِ ما لم يتحقّق، وانظرْ إلى ما لم يتحقّق بعينِ ما تحقّق. قلتُ ويستوى كلُّ شىء؟ قالَ ويفنى كلُّ شىء. قلتُ وما يبقى؟ فسَكَتَ. قلتُ وما يبقى؟ فنظرَ لى وسكتَ. قلتُ وما يبقى؟ فنظرَ فى السماءِ وسكتَ.
Friday, May 24, 2013,05:08
أهابيلُ الشّطحِ وشطوحاتُ الهَبَل
وأنا الذى أشطح فى الحب فأَعْرَى بدنا، وأجرى فى الطرقات لا ألوى على هدف أسب المحبوب وأشتم وأجرسه بين الخلائق، حتى يتبعنى الصبية بالحجارة ويدير لى ظهره، فألتذ بالغياب كما التذذت بالمشاهدة، إلى أن يستبد بى شوق الوصل فأعود وقد التزمت الأدب.
وأنا الذى أضاحكه فيضحك حتى ينبسط لى، فأصفعه بغتة وأُبكيه وأروح عنه ليهجرنى؛ لا أطيق الحضور ولا أطيق الغياب، مواجيدى هوائية فى تقلب البحر وفى جنون الطماطم، يقول تعال فأمضى ويقول أشح عنى فألتصق كالخفافيش بوجهه، ما عاهدته على العقل بل بايعته مجذوبا طائشا نزقا.
وأنا الذى لا أجيد الحساب، وحقيبتى لا قلم فيها ولا فرجار ولا منقلة، لى الكراس والألوان لى أُشخبط فى البياض وأهتف عالَمى هذا فاركب ورائى عصا المكنسة يا محبوب واتبعنى، فأُلبسه من القش طرطورا وأضحك، وأضع على أنفه كرة حمراء وأضحك، ويضحك لى، فنستلقى على القفا ونخلع أحذيتنا ونرفس كحمارين فى الهواء.
وأنا الذى أخلع عنى إزار الرصانة وأموء له فيموء لى، أخربشه يخربشنى، وأقضمه ويقضمنى، إلى أن يسيل الدم، فأختبىء تحت الأرائك والأسِرّة ويمشى محبوبى على الحائط، ثم يكون لقاؤنا عند السقف. نتحاضن هناك، وهناك نسقط من عَلٍ.
وأنا الذى أعض أذنه حتى يصرخ فلا أدعه، فيضربنى بين فخذىّ، فأنزل على بطنى، فيقفز فوق ظهرى، يقول لى حصانى أنت فسر بى إلى السحاب، فأعدو به وأصعد فى طبقات الهواء، ثم أنفضه فيسقط على الأرض مصروعا، وأسقط فوقه وأقبِّله.
وأنا الذى أنظر فى اتساع عينيه فيروح منى الكلام ويروح منى الهَبَل، فأصمت مليّا وأغيب فى قرارهما ولا أعود.
Thursday, May 23, 2013,09:27
صباحُكِ سُكّر
مُفتتَح: إن لم تدر من أنت منى، فلا أنا منك ولا أنت منى. [النفرى]
انشغلتُ بكِ حتى حزنتُ،
ثم انشغلتُ بالحزن عنك،
ثم استغرقتُ فيه فوجدتُ وجهَك.
تستطيعين رفعَ حاجبِكِ الأيمنِ دون الأيسر،
وأستطيعُ رفعَ حاجبى الأيسرِ دون الأيمن؛
حين نرفع حاجبَينا متواجهَين،
نكون أصلا وصورتَه فى المرآة.
أصابعُكِ عشرة، وأصابعى عشرة،
وإذ يشتبكون،
يصيرون .. عشرة.
ولو نسيتُ حاجبَكِ المزجّج،
كيف للذاكرةِ أن تضيقَ عن عينيكِ الواسعتين؟
الوردىّ يليقُ بك،
ونظاراتُ الشمسِ تليقُ بك؛
بالمناسبة، ما كان لونُ الآى شادو؟
صارتِ التاسعةَ ولم أنم،
دخنتُ علبتَى تبغٍ وبدأتُ الثالثة؛
أشتاقُك، أليس كذلك؟
أشعرُ بانبساطٍ وصفا؛
سأهاتفُك.
مغلقٌ يا جزمة.
ادعى لى بمزيدٍ من الهَبَل؛
فما على التعقّلِ بايعتُك.
ردّى لى كنزى.
لا تفهمينى خطأً؛
أعنى الخمسين قرشا.
لطيفٌ أنا هذا الصباح،
صحيح؟
ما زال مُغلقًا يا جزمة.
هل تعرفين أنكِ كثيرا ما تضحكين
دون أن تنفرجَ أسنانُك؟
يبدو أننى قد وقعتُ فى الفخ.
وفى الأخير:
حَط الدبلة وحَط الساعة،
حَط سجايره والولاعة،
لكنه ما حَط حزنَه؛
فقد اعتاد أن ينام به.
تصبحين على أشياء.
قافية.
Wednesday, May 22, 2013,22:35
موقف الصّلْب
أوقفنى فى الصلب، وقال لى: لا تبحث عن مصلوبة مثلِك، وابحث عن فقيرة مثلِك. المصلوبة تحتمل الصليب، لكنها لا تحتمل الفقر. والفقيرة تحتمل الفقر، ولستَ تحتاجها على الصليب.
وقال لى: الصلب لا يكون إلا فى الوحدة.
وقال لى: لا ترتفعْ من حيث يلزمك الخفض، كما لا تنخفضُ من حيث يلزمك الارتفاع.
وقال لى: خدعوك إذ وضعوك على أول هذا الطريق؛ فليس لهذا الطريق منتهىً فى التحقق.
وقال لى: التحقق غاية لا تُدرك، والصليب جربٌ ليس يُترك.
وقال لى: لن تتآلف والمصلوبات، وإلا نفضَكَ صليبُك، وخرجتَ من الصلب؛ ولستَ بخارج.
وقال لى: لا تجزع من الصلب، فليس يُصلب إلا آدمىّ.
وقال لى: كلما ازددتَ انصلابا فى الصلب، ازددتَ رسوخا فى الآدمية.
وقال لى: صليبك منغرس بكتفيك، فالزمْه؛ وإلا سقطتَ فى الما بين، فلا بالشام حللت، ولا باليمن حططت.
وقال لى: الصلب وعاء المعرفة.
وقال لى: لا تتطلع إلى السِّوى، وشبيهاتُك السِّوى.
وقال لى: اعرف قدرك، ولا تجاوز حدك.
وقال لى: من جاوز الحد أغمه ما وراء الحد، وليس لغمِّ ما وراء الحدِّ حد.
وقال لى: من جاوز الحد أغمه ما وراء الحد، وليس يحصل له المطلوب.
وقال لى: مطلوبك صعبةٌ مراقيه، ولستَ ببالغِه؛ فلا تُفرِّقْ ما حقه الجمع، ولا تناطح فى جمع ما حقه التفرق.
وقال لى: لا تفرِّق ما حقه الجمع؛ فلستَ تدرى حتّامَ يستمر السفر.
وقال لى: لا تناطح فى الانخلاع من الصلب، وناطح فى الانخلاع من الطلب.
وقال لى: الانخلاع من الطلب انخلاع من الصلب.
وقال لى: من كان على الصليب ينشغل بالبكاء عن الطلب.
وقال لى: من كان على الصليب ينشغل بالبكاء عن الطلب، ولا ينشغل عن الانخلاع من الطلب.
وقال لى: من انخلع من الطلب، خرج فى طلب نفسه.
وقال لى: من خرج فى طلب نفسه، وقف فى الصلب من وجهٍ آخر.
وقال لى: الواقف فى الصلب من وجهٍ آخرَ موشكٌ على التحصيل.
وقال لى: من بلغ مرتبة التحصيل فقد بلغ، وخرج من الصلب البتة.
وقال لى: خيرُ معرفة النفس ما كان فى التألم.
وقال لى: التألم مطهرُك، ولستَ تدخل ملكوت السماوات حتى تطهر.
وقال لى: القلب معدنه الذهب، والذهب بالنار يصفو من الخبَث.
وقال لى: لا يدخل الجنة إلا من انغمس فى النار طوعا.
وقال لى: طريقنا هذا على حرفين: "لكيلا تأسَوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم".
وقال لى: ذو العقل يشقى، والشقاء قيامٌ بحق الآدمية.
وقال لى: من لم يشقَ لم يذق، ومن لم يذق لم يعرف، ومن لم يعرف كان فى الأموات وإن تحرك.
وقال لى: لا تنخلع من الشوكة التى فى اللحم.
وقال لى: لو غالبك وجدُك، فانغلب له، وابك – إن شئت – على اثنين: نفسِك ومن أحببْتَ.
Tuesday, May 21, 2013,06:39
مواجيد
مفتتح: لا تصلحُ المحبةُ بين اثنينِ حتى يقولَ الواحدُ للآخرِ: يا أنا. [السرى السقطى]
بابُ ما كان
وكان فى اتساعِ عينيها ما دعاهُ إلى الخوضِ دون حذر، فأوشكَ أن يناديَها "يا أنا"، غيرَ أنه قد أمسكَ؛ مخافةَ ألا يأتيَهُ الصدى، وتغالبَ داخلَهُ الخوفُ والدفءُ وتدافعا، حتى كادَ الدفءُ أن يدفعَ ما عداه، لولا آثارُ رفساتِ الأفراسِ التى على جبينِه، والتى علّمتْهُ شيئًا من حكمةِ الصمت. تحسّسَ جبينَهُ، فتذكّر أياما مضتْ أثقلتْ على قلبِه، وانقبضَ من أن يدخلَ فى التجربةِ؛ لئلا يفجأَه فى نهايتِها شريرٌ آخر. لكنها تبدّتْ طيبةً – فى الدفءِ – كحَمَائمِ الحرم، حتى سكنَ إليها واطمأنّتْ روحُه، إلا أن لسانَهُ قد انعقدَ – رغمَ ذلك – فلم ينطقْ "يا أنا". كان فيما مضى أكثرَ استعدادًا لأن يقولَ دون أن يهتمّ لرجعِ الصدى، لكنّ قلبَهُ الآن – وقد تناثرَتْ فى سوادِ رأسِهِ شعراتٌ بيضاءُ – لم يعدْ فتيّا كما كان من قبل. كانت خيبةٌ أخرى جديدةٌ لتهزّهُ فتعودَ إلى السطحِ كلُّ الشروخِ التى لم تلتئمْ بعد. كانت خيبةٌ أخرى جديدةٌ لتصيبَهُ بالتصدّعِ كعمودٍ من الملح.
موقفُ الوحدة
أوقفَنى فى الوحدةِ، وقال لى: كلُّ ذلك ولم تفهمْ – يا غبىُّ – أنكَ تأتى ههنا وحدكَ، وتروحُ وحدكَ، وتقشرُ الأيامَ – عن لُبِّها المخاتلِ – وحدك. قفْ فى بطحاءِ مكةَ، ونادِ "يا أنا" ما شئتَ، فلن يجيبَكَ ولو رجعُ الصدى. كلماتُكَ تدافُعٌ فى الريحِ، وليس ثمةَ أذنٌ تصيخُ، لتهزّ وترًا فى فؤادٍ يهفو إليكَ، فيهتفُ بكَ "يا أنا" بلا حسابِ الربحِ والخسارة. وردْتَ ما وردْتَ، وسمعْتَ فما وعيْتَ، فوُكِلْتَ إلى نفسِكَ، فأوردتْكَ – بالوهمِ – المهالك. لا تصلحُ المحبةُ يا غبىُّ؛ إنّ الحبّ حلمٌ، والحلمَ دأبُ النائمينَ، حتى إذا ما انتبهوا رأوا وجوهَهم منعكسةً فى وجهِ الصخرة. تعالَ معى إلى الصخرةِ أُرِكَ أكوامًا من ركامِ الصورِ، وأُسمعْكَ صوتَ الجنادبِ، وأُشعرْكَ بملمسِ اللحمِ الممزقِ والعظامِ المفتتة. ركبوا رؤوسَهم، وظنوا – مثلَكَ – أن الليلَ مُنجلٍ، حتى دهمَهمُ الصبحُ، فما كان أمثلَ من صاحبه، ليجدوا – بالتجريبِ – ما وجدتَ، وقد أوقفناكَ وأفهمناكَ ألا تجدَ، فتواجدتَ ووجدتَ، حتى أخذَتْ بك المواجيدُ كلّ مأخذٍ، وما أجدَتْكَ، ولا هى – فى ساعةِ العسرةِ – قد نجدَتْك.
رسالةٌ إلى الحزن
أقمْ – يا ابنَ الزنا – فيما استعمرْتَ من أرضٍ؛ فنحنُ ميراثُكَ الذى آلَ إليكَ من أجدادِكَ غزاةِ قلوبِنا الغضّة. أقبلْ بخيلِكِ ورَجْلِكَ، وافترشْ باحةَ الصدرِ، وأعمِلْ فيها الرماحَ والسهامَ، ولا تدعْ للفرحِ منفذًا ولا محلا. اضغطْ بثقلكَ، واعتصرْ عظامَنا؛ لتُرضىَ خسةَ شبقِكَ الذى لا يعرفُ الرىّ. لم نعرفْ لك أبوينِ نشكوكَ لهما، مسافحٌ أنتَ، وابنُ سِفاحٍ، لقيطٌ، ونغلٌ، وأمُّك – لو فتّشْنا – مُقطِّعةُ بظورٍ تلتذُّ لمَرأى دمِنا المنزوفِ من بين الفخذينِ، وأمُّك – لو فتّشْنا – قحبةٌ تأذنُ لطُلّابِها بالسعالِ، وأمُّك – لو فتّشْنا – مكشوفةُ الوجهِ لتلدَ مثلَك.
أقبِلْ – تيّاهًا – فى مواكبِكَ الدبقةِ التى تعلقُ بأجسادِنا، فلا تزولُ مهما كحتَتْها محاولاتُ البهجة. تنجحُ أنتَ – يا وضيعُ – دائمًا، وتفشلُ كلُّ محاولاتِ البهجةِ؛ وكأنكَ تعرفُ مداخلَنا ومخارجَنا، وتعرفُ أينَ تضعُ بيضَكَ الذى يفقسُ فراخَ القتامةِ فى دهاليزِ أرواحِنا الخرِبة. ما خربَها غيرُكَ وغيرُ طغيانِ حضورِكَ الذى يمزِّقُ اللحمَ، فلا يدَعُ لنا – من أنفسِنا – سوى فتاتٍ مهترىء. فأقِمْ ههنا، وأفسدْ – علينا – كلّ فرحٍ مُختلَسٍ، وإيّاكَ، ثم إيّاكَ، فى القدومِ أن تتلكّـأ.
Monday, May 20, 2013,16:31
عن روايةٍ لم تكتمل بعد
وحين تحاذيا فى الخطو واقتربا حتى أوشكا على التلامس شعر بضرب من الدفء لم يألفه من قبل، وكان دفءَ من وجد. كان كمن عثر فى غربة الوجود على ما ينفى كل أفكاره الماضية عن غربة الوجود ذاتها، وفكّر كيف كان لآدم أن يستمر لو لم يفق من نومه ليجد حواء إلى جواره. اكتنزت روحه بالتجربة، وتمنى أن يكون هذا الصدرُ حاويةً له حين تضيق البراحات. كان توالى ضيقِ البراحات قد أسلمه إلى نفسه التى تبادر إلى التشرنق حين يصيبها الألم فيبدو العالم لا مباليا أو غيرَ راغب فى مد يد العون، حتى تكلّست بداخله الوحدة. وفى هذه المرة أطل برأسه ليتكشّف، فلمح رأسا تطل لتتكشّف عن مقربة، ورأى فى اتساع عينيها نفسَ النظرة.
Saturday, May 18, 2013,05:37
رسالة ما لا يُعوّل عليه
– كلُّ بيتٍ لا ينتهى بقافيةٍ لا يُعوّلُ عليه.
– كلُّ قافيةٍ مكسورةٍ لا يُعوّلُ عليها.
– كلُّ دائرةٍ لا تتسعُ أبدًا لا يُعوّلُ عليها.
– كلُّ صوتٍ مُفرَدٍ لا يُعوّلُ عليه.
– كلُّ "أنت" لا تستحيلُ "أنا" لا يُعوّلُ عليها.
– كلُّ "أنا" لا تستحيلُ "أنت" لا يُعوّلُ عليها.
– كلُّ نصفينِ لا يصيران كُلّا لا يُعوّلُ عليهما.
– كلُّ حبٍّ لا يجُبُّ ما قبلَهُ لا يُعوّلُ عليه.
– كلُّ حبٍّ لا يكونُ خلاصًا لا يُعوّلُ عليه.
– كلُّ حبٍّ لا يكونُ فى الإيمانِ لا يُعوّلُ عليه.
– كلُّ حبٍّ لا يكونُ وثبةً فى المجهولِ لا يُعوّلُ عليه.
– كلُّ حبٍّ لا يكونُ مقامرةً بالكُلِّ لا يُعوّلُ عليه.
– كلُّ حبٍّ يكونُ فى الاحتراسِ لا يُعوّلُ عليه.
– كلُّ ضمةٍ لا تمحو الرجفةَ لا يُعوّلُ عليها.
– كلُّ ضمةٍ لا تنتهى فى الذهولِ عن الضمةِ لا يُعوّلُ عليها.
– كلُّ صيفٍ لا يمحو البرودةَ لا يُعوّلُ عليه.
– كلُّ فرحٍ لا يُختلسُ اختلاسًا لا يُعوّلُ عليه.
– كلُّ مصافحةٍ لا تشتبكُ فيها الأصابعُ لا يُعوّلُ عليها.
– كلُّ اشتباكِ أصابعٍ لا تصحبُهُ رجفةٌ لا يُعوّلُ عليه.
– كلُّ ثقةٍ يشوبها ترددٌ لا يُعوّلُ عليها.
– كلُّ شوقٍ لا تفضحُهُ النظرةُ لا يُعوّلُ عليه.
– كلُّ زَمرٍ لا يثيرُ رقصًا لا يُعوّلُ عليه.
Friday, May 17, 2013,02:15
المُكاتبات - الثانية
أوقفَتْنى فى الوقفةِ، وقالتْ لى: قلبُكَ مشروخٌ يوشكُ أن يتصدّعَ، فأوقفتُها فى الوقفةِ، وقلتُ لها: رمِّميه.
أوقفَتْنى فى الوقفةِ، وقالتْ لى: قلبُكَ فقاعةُ حزنٍ توشكُ أن تنفثىءَ، فأوقفتُها فى الوقفةِ، وقلتُ لها: أفرغيه.
أوقفَتْنى فى الوقفةِ، وقالتْ لى: جسدُكَ مُتربٌ بالموتِ، فأوقفتُها فى الوقفةِ، وقلتُ لها: انفضيه.
أوقفَتْنى فى الوقفةِ، وقالتْ لى: أنا المرفأُ، فأوقفتُها فى الوقفةِ، وقلتُ لها: وسفينتى بحاجةٍ إلى شراعٍ، فكونيه.
أسرِجِى حصانَكِ؛ فلم يعد لنا من حاجةٍ به .. يكفينا حصانٌ واحد. أرسلى شعرَكِ المعقودَ، واعتلى ركبتىَ إلى ظهرِه، واستندى بكفِّ يدِكِ إلى كفِّ يدى. انزاحى قُبُلًا؛ لأجلسَ من دبُرٍ، وأتعلقَ بشعرِكِ المحلولِ؛ مخافةَ أن تسقطنى الريح. أرخى له الحبلَ؛ ليعدوَ فى براحاتِ الأرضِ (إنا تعبْنا من ضيقِ الأماكن)، ولا تسألى عن وجهةٍ ما كنا معا؛ فالوجهةُ ما حللنا فيه، والغايةُ الرحلةُ – التى تجمعُنا – لا المنتهى.
مُدِّى يدَكِ وامنحينى القمرَ؛ إنى اشتقتُهُ سنينَ عددًا، حتى تطبّعْتُ واستعصاءَهُ علىّ. كان مراوغًا يا امرأةُ، وكنتِ مثلَهُ، صنوين كنتُما، فإذا حَلّ حللْتِ، وإذا حللْتِ حلّ. جئتِ كالحالِ هبةً، فامكثى، وكونى مقامًا آخذُ له طريقَ السالكينَ بالمجاهدة. افنى فى القمرِ، أو فليفنَ فيكِ، وافنَيا فىّ، أو فلأفنى فيكما؛ ليفنى ثلاثتُنا فى واحدٍ نذهلُ به عن أنفسِنا، فنعرفُها؛ إن العارفين لا يطلبون البقاء.
وَسِّعى الرؤيةَ؛ حتى تتسعَ الرؤيا؛ لقد رانتْ على القلبِ الفوتوناتُ، فحجبَتْهُ عن الشمسِ/الحقيقة. وَسِّعيها، حتى تقصرَ العبارةُ، فتعرفى منى الصدقَ، فأشيرَ للسِّرِّ إلماحًا لا تصريحا. اللغةُ عاجزةٌ يا امرأةُ، والتصريحُ قاتلٌ، يصلبنى على ضفافِ دجلةَ، ويريقُ دمى. فوَسِّعى الرؤيةَ، تتسعِ الرؤيا، فنجذلَ، فيكنْ حكمُنا فى الصمتِ كحكمِنا فى الكلام.
أوقفْتُها فى الوقفةِ، وقلتُ لها: قلبُكِ مشروخٌ يوشكُ أن يتصدّعَ، فأوقفَتْنى فى الوقفةِ، وقالتْ لى: رمِّمْه.
أوقفْتُها فى الوقفةِ، وقلتُ لها: قلبُكِ فقاعةُ حزنٍ توشكُ أن تنفثىءَ، فأوقفَتْنى فى الوقفةِ، وقالتْ لى: أفرغْه.
أوقفْتُها فى الوقفةِ، وقلتُ لها: جسدُكِ مُتربٌ بالموتِ، فأوقفَتْنى فى الوقفةِ، وقالتْ لى: انفضْه.
أوقفْتُها فى الوقفةِ، وقلتُ لها: أنا المرفأُ، فأوقفَتْنى فى الوقفةِ، وقالتْ لى: وسفينتى بحاجةٍ إلى شراعٍ، فكُنْه.