Wednesday, May 29, 2013,10:55
كلام
مفتتح: يا صاحبى إنى حزين
طلع الصباح فما ابتسمتُ ولم يُنر وجهى الصباح (1)

غيرَ أنى لم أخرج من جوف المدينة طلبا لرزق؛ فقد اكتفيتُ بالعزلة واكتفتْ بى، حتى أمضينا الليل بأكمله تفننا وابتكارا (وارتجالا) فى أوضاع المضاجعة. ابتدأنا بالقُبَل وبتلامسات الشفاه، ثم داعبتنى وداعبتها، ثم اعتلتنى واعتليتها، ثم كان بيننا ما كان مما لا يجوز البوح به. لم تخمد شهوتُها رغم ذلك؛ فهى شبقةٌ إلى أبعد حد. وفى خبرةٍ مثيرة للـ threesome، شاركتْنا الوحدةُ.

فاصل جاهلى: وليل كموج البحر أرخى سدوله
علىّ بكل أنواع الهموم ليبتلى
فقلتُ له لما تمطى بصلبه
وأردف أعجازا وناء بكلكلِ
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلى
بصبح وما الإصباح منك بأمثلِ (2)

وقد عرفتُ صدقَ الملك الضليل بحضور الشمس؛ إذ أشبَهَ الإصباحُ ليلَه، فجاء بنفس الهموم. أقبلتْ كصاحب دار، ولما لم تجد موضعا، نامتْ على رموشى؛ لتمنعنى النوم.

فاصل تفعيلى: فى قلب العاجز ماذا يلقى العاجز
ماذا يهب العريان إلى العريان
إلا الكلمة
والجلسة فى الركن النائى،
قزمين ودودين
صغرا صغرا، حتى دقا (3)

ابتُليتُ بصلاح منذ كنت وردة أتفتح، فتفتحتُ عليه. هل استسلمت له حتى صرت شبيهه، أم كنت شبيهه فاستسلمت له؟ ربما لن أعرف إجابة لهذا السؤال أبدا! لكنّ السائر فى مدينة صلاح لا يصادف فى شوارعها غيرَ الحزن، وفى أحيائها غيرَ العجز، وفى حاراتها غيرَ العُرى، وفى أزقتها غيرَ الضآلة. كان صلاح بطلا ضدا، وعنه ورثتُ ما ورثتُ من رؤىً ومرارة.

وعن الجامعة بن داود ورثتُ شيئا من العدمية، قَلّ أو كثُر، ولأعترفْ. باطل الأباطيل، قال الجامعة. باطل الأباطيل، الكل باطل. ما الفائدة للإنسان من كل تعبه الذى يتعبه تحت الشمس. دور يمضى، ودور يجىء، والأرض قائمة إلى الأبد. والشمس تشرق، والشمس تغرب، وتسرع إلى موضعها حيث تشرق. الريح تذهب إلى الجنوب، وتدور إلى الشمال. تذهب دائرة دورانا، وإلى مداراتها ترجع الريح. كل الأنهار تجرى إلى البحر، والبحر ليس بملآن. إلى المكان الذى جرت منه الأنهار، إلى هناك تذهب راجعة. كل الكلام يقصر. لا يستطيع الإنسان أن يخبر بالكل. العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتلئ من السمع. ما كان فهو ما يكون، والذى صنع فهو الذى يصنع؛ فليس تحت الشمس جديد. إن وجد شىء يقال عنه انظر، هذا جديد. فهو منذ زمان كان فى الدهور التى كانت قبلنا. ليس ذكر للأولين. والآخرون أيضا الذين سيكونون لا يكون لهم ذكر عند الذين يكونون بعدهم. أنا الجامعة كنت ملكا على إسرائيل فى أورشليم. ووجهت قلبى للسؤال والتفتيش بالحكمة عن كل ما عمل تحت السماوات. هو عناء ردىء جعلها الله لبنى البشر ليعنوا فيه. رأيت كل الأعمال التى عملت تحت الشمس، فإذا الكل باطل وقبض الريح. الأعوج لا يمكن أن يقوم، والنقص لا يمكن أن يجبر. أنا ناجيت قلبى قائلا ها أنا قد عظمت وازددت حكمة أكثر من كل من كان قبلى على أورشليم، وقد رأى قلبى كثيرا من الحكمة والمعرفة. ووجهت قلبى لمعرفة الحكمة ولمعرفة الحماقة والجهل. فعرفت أن هذا أيضا قبض الريح. لأن فى كثرة الحكمة كثرة الغم، والذى يزيد علما يزيد حزنا. (4)

قل لى – بربك – كيف كان لى أن أتجاهل ما خطّ هذا الرجل؟ وكيف كان لى أن أتجاهل نهرى الذى يجرى إلى بحرِ الموت، وبحرُ الموت ليس بملآن؟

فاصل صوفى: دخل جماعة من الناس على الشبلى فى مارستان، وقد جمع بين يديه حجارة، فقال: من أنتم؟، فقالوا: نحن أصدقاؤك ومحبوك. فأقبل عليهم يرميهم بالحجارة، وأقبلوا يهربون. فقال: ما لكم؟ ادعيتم محبتى، فاصبروا على بلائى.

ما لم يورده ابن خلدون فى المقدمة: وكان أهل هذا الحى من العرب لا يعرفون الحب ولا يعرفهم، كأنهم جلمود الصخر، حتى انزاحت إليهم بدعة الحب، وظهرت بين ظهرانيهم، فقاوموها واشتدوا فى ذلك كما لم يشتدوا فى مقاومة بدعة من قبل. حاولوا إقناع الصابئين بالعقل ابتداء، ثم أطمعوهم بالمال والملك وخلود الذكر كرجال عادوا من بعد ضلالة ونساء تبن إلى آلهتهم من بعد غىّ، فارتد إلى ملة قومه من ارتد، وبقى منهم من بقى. ثم كان من أمر هذا الحى أن بالغ فى نصب الشِراك لأتباع البدعة الجديدة، وكانت أحب طرقهم – فى الردع – إلى أنفسهم طريقة نقلوها عن العجم لم تسمع بها العرب من قبل، فكانوا يأتون بالمحب من هؤلاء، ويضعون فى استه الخاذوق؛ حتى يبرد حشاه مما يجد من لوعة ومواجيد. والخاذوق – كما تواترتْ فى وصفه الروايات – قضيب من حديد مدبب الرأس. فكانت قسمة المحبين أن يعانوا الحب وأحواله أحياء، ثم تكون نهايتهم الخاذوق. إلا أن البدعة قد تفشت – كما هو معلوم – رغم كل ما كاد لها القوم.

ما لم أقله: مقدمة: وجود احتمالين يضعف من فرصة تحقق كل منهما على حدة.
نتيجة: لنكن – أنا وأنت – احتمالا واحدا؛ حتى لا يعود من تحققه مفر؛ ونصير من الاحتمالية إلى الوجوب والضرورة.

وما لم أقله: لأنه ما من حُبٍّ يستمرُ أكثرَ من خمسِ دقائق/لأن الساعةَ تغذُّ الخطوَ وتعاجلُ نفسَها فى الدقائقِ الخمس/لأن دقيقةَ الحُبِّ لا تعدلُ ستينَ ثانيةً (بل تقلُّ عن ذلك كثيرا)/لأن ثانيةَ الحُبِّ لا محلّ لها من التوقيت/لأن التوقيتَ يحملُنا حملًا إلى الموت/لأن الموتَ يندفعُ نحونا ليختزلَ المسافة/لأن المسافةَ لعنتُنا وجُرحُنا المقيم/لأن جُرحَنا ينزفُ دما ويحتاجُ إلى الالتئام/لأن الالتئامَ يتطلّبُ أكثرَ من خمسِ دقائق/لأن الساعةَ تخطو على مهَلٍ فى الدقائقِ الخمس/لأن دقيقةَ الالتئامِ لا تعدلُ ستينَ ثانيةً (بل تزيدُ عن ذلك كثيرا)/لأن ثانيةَ الالتئامِ عُمرٌ بأكملِه/لأن أعمارَنا أقصرُ من أن تتسعَ لذلك/فلنفترقِ الآن قبلَ أن نخطوَ فى الحُبِّ أولَ خطوة.

خاتمة: لا تخرجْ من باب البيت
لُذ بالصمت
كن منفردا حتى الموت (5)

ـــــــــــــــــــــــ

(1) صلاح عبد الصبور.
(2) امرؤ القيس.
(3) صلاح عبد الصبور.
(4) سِفر الجامعة – الإصحاح الأول.
(5) فتحى سعيد.
 
Posted by Muhammad | Permalink |


3 Comments:


  • At Wednesday, May 29, 2013, Blogger إبـراهيم ...

    ومع ذلك ورغم ذلك كله ..

    أحسدك بشدة :)
    .
    جميلٌ هو الحزن الذي يجعلك تكتب بهذا الجمال!
    ...
    تذكرني بنصوصٍ قديمة لي :)

     
  • At Wednesday, May 29, 2013, Blogger Muhammad

    إبراهيم

    ماذا لقيتُ من الدنيا وأعجبُهُ
    أنّى بما أنا باكٍ منهُ محسودُ
    :)

    مرر لى لينكات نصوصك المشار إليها؛ فهذا زمانُ اجترارٍ لا تصلح معه جدة :)

     
  • At Thursday, May 30, 2013, Blogger إبـراهيم ...

    تصدق إني حبيتك دلوقت :)
    ...
    عاجبني فيك التزامك هنا حتى في الرد بنفس ذا الأسلوب وهذه الطريقة .. الجميلة في الكتابة
    .
    هذا زمان اجترار لا تصلح معه جدة!!
    ...
    طب إيه رأيك ف الرياض؟!!
    .
    بإمكانك أن تطل عليَّ من هنا
    http://anaweana.blogspot.com/2007/09/blog-post_23.html
    ..
    وهنا
    http://aljsad.com/forum5/thread81009/
    وهنا:
    http://anaweana.blogspot.com/2007/05/blog-post_20.html

     

Post a Comment

~ back home