Tuesday, May 28, 2013,02:48
ليليّة
مُفتتح: أنا رجلٌ من غمارِ الموالى
فقيرُ الأرومةِ والمنبتِ
فلا حسبى ينتمى للسماءِ
ولا رفعَتْنى لها ثروتى
وُلدتُ كآلافِ مَن يولدون
بآلافِ أيامِ هذا الوجود
لأن فقيرًا بذاتِ مساءٍ سعى نحوَ حضنِ فقيرة
وأطفأَ فيها مرارةَ أيامِهِ القاسية

الفرح عابر واستثناء. الفرح شهاب ثاقب ما أن يبرق حتى يحترق، وهو يبرق ليحترق. ليس له من غاية سوى لحظة الاحتراق، وما تخلفه فينا من رماد. الحزن هو سيد الموقف. هو المتمرس فى كل البيئات. هو الذى يمسك دائما بخيوط اللعبة وبأطراف النهاية. الفرح متواطىءٌ وسيدَ الموقف؛ فهو يدهمك – حين يدهمك – لمأرب مخاتل ومُتَخَفٍّ؛ لا من أجل أن يمنحك لحظة من الهناءة، فتستطيعَ المواصلة، بل من أجل أن يُمَنِّيَك ويغريَك به، فتطمئنَ، فيأخذَك من حيث احتسبت ومن حيث لم تحتسب، ويتركَك عالقا فى قهوة الحزن الكابية. الفرح حزن فى زىِّ التنكر.

ساد الحزنُ حتى دَمَعَ العنب. وقد دَمَعَ العنب حتى أتى على كل ما فيه، فصار زبيبا. لا ينتمى العنب إلى هذا العالم. وحده الزبيب ما تصلح له تربة الأرض. الزبيب جاف ومُغَضّن، ضربته – كأقفيتنا – الشمسُ والتجاعيد، حتى فقدَ عصارته. وما دام الزبيب قد عرف الفقد، فهو أولى بهذا العالم من العنب.

الكتابة تبذّلٌ نفرّ به من المواجهة. نحن أجبن (وربما أضعف) من أن نواجه كل هذا الأسى، فنحتال على النظر مباشرة فى عينى الحقيقة بالكتابة. ربما تقتضى المسئولية والكرامة خلافَ ذلك .. تقتضى أن نواجه، وأن نقتحم، وأن نغوص طوليا فى لحم الحزن؛ لا فى محاولة خائبة للانتصار عليه، أو التعايش معه كرفقة لا مفر من وقوعها، بل من أجل أن نعانىَ فى استمراريةٍ لا تنقطع. ولا تتوهمْ – أيها العابر – أننى أقصد إلى شىء من قَبيل التسامى؛ فكل ما أعنيه هو الرضا بالدور المحدد، ولَعِبِهِ بإجادة؛ إذ ما دام منوطا بنا أن نعانىَ، فلنعانِ، ولتكن معاناتُنا بالطريقة الصحيحة، تماما كما يجب.

فى الألم تتجلى الفرديّة كما لا تتجلى فى ما عداه. ينكمش العالم حتى لكأنه ثقبُ إبرة، ولا يتسع للذات غير نفسها. تتشرنق، وتحاول احتلال أصغر مساحة ممكنة من حيّز المكان، وتُبادل العالم زهدًا بزهد؛ فلا هو مُبالٍ أو راغبٌ فى مد يد العون، ولا هى تتطلع إلى يده التى لا يمدها. كل ما تبغيه الذات فى وحدة الألم أن تنفرد بها؛ لتعانىَ فى صمت. كل ما تبغيه أن يدعها العالم وحيّزَها الصغير.

كل القصص تبدأ من "طأطأ"، لتنتهىَ عند "سلامو عليكو"؛ فهنيئا لـ "طأطأ" مُبتدا الحكايات، وما يشهده من أشياء بعدها فى البكارة. وددت – رغم ذلك – لو نظرت فى قلب "سلامو عليكو" من الداخل؛ لأرى كيف صارت به الحال بعد كل هذه القساوات: رحيل – فقد – موت – خيبة – انكسار – فراق... والقائمةُ تطول. كيف تحمل قلبك كل هذا الوجع يا "سلامو عليكو"؟! كيف شهدت كل النهايات دون أن ينفثىء قلبك كفقاعة صابون؟!

وكـان أن حَكَـوا لنا فيما حَكَـوا من طفولة أن الـ "طيب" والـ "كدهون" التقـت الـ "أصلا" والـ "بقى". لم أعد أذكر من التفاصيل سوى أن اللقاء قد انتهى عند "سلامو عليكو".

خاتمة: معذرةً يا صُحبتى، قلبى حزين
من أينَ آتى بالكلامِ الفرِح
 
Posted by Muhammad | Permalink |


6 Comments:


Post a Comment

~ back home