Friday, May 17, 2013,02:15
المُكاتبات - الثانية
أوقفَتْنى فى الوقفةِ، وقالتْ لى: قلبُكَ مشروخٌ يوشكُ أن يتصدّعَ، فأوقفتُها فى الوقفةِ، وقلتُ لها: رمِّميه.
أوقفَتْنى فى الوقفةِ، وقالتْ لى: قلبُكَ فقاعةُ حزنٍ توشكُ أن تنفثىءَ، فأوقفتُها فى الوقفةِ، وقلتُ لها: أفرغيه.
أوقفَتْنى فى الوقفةِ، وقالتْ لى: جسدُكَ مُتربٌ بالموتِ، فأوقفتُها فى الوقفةِ، وقلتُ لها: انفضيه.
أوقفَتْنى فى الوقفةِ، وقالتْ لى: أنا المرفأُ، فأوقفتُها فى الوقفةِ، وقلتُ لها: وسفينتى بحاجةٍ إلى شراعٍ، فكونيه.

أسرِجِى حصانَكِ؛ فلم يعد لنا من حاجةٍ به .. يكفينا حصانٌ واحد. أرسلى شعرَكِ المعقودَ، واعتلى ركبتىَ إلى ظهرِه، واستندى بكفِّ يدِكِ إلى كفِّ يدى. انزاحى قُبُلًا؛ لأجلسَ من دبُرٍ، وأتعلقَ بشعرِكِ المحلولِ؛ مخافةَ أن تسقطنى الريح. أرخى له الحبلَ؛ ليعدوَ فى براحاتِ الأرضِ (إنا تعبْنا من ضيقِ الأماكن)، ولا تسألى عن وجهةٍ ما كنا معا؛ فالوجهةُ ما حللنا فيه، والغايةُ الرحلةُ – التى تجمعُنا – لا المنتهى.

مُدِّى يدَكِ وامنحينى القمرَ؛ إنى اشتقتُهُ سنينَ عددًا، حتى تطبّعْتُ واستعصاءَهُ علىّ. كان مراوغًا يا امرأةُ، وكنتِ مثلَهُ، صنوين كنتُما، فإذا حَلّ حللْتِ، وإذا حللْتِ حلّ. جئتِ كالحالِ هبةً، فامكثى، وكونى مقامًا آخذُ له طريقَ السالكينَ بالمجاهدة. افنى فى القمرِ، أو فليفنَ فيكِ، وافنَيا فىّ، أو فلأفنى فيكما؛ ليفنى ثلاثتُنا فى واحدٍ نذهلُ به عن أنفسِنا، فنعرفُها؛ إن العارفين لا يطلبون البقاء.

وَسِّعى الرؤيةَ؛ حتى تتسعَ الرؤيا؛ لقد رانتْ على القلبِ الفوتوناتُ، فحجبَتْهُ عن الشمسِ/الحقيقة. وَسِّعيها، حتى تقصرَ العبارةُ، فتعرفى منى الصدقَ، فأشيرَ للسِّرِّ إلماحًا لا تصريحا. اللغةُ عاجزةٌ يا امرأةُ، والتصريحُ قاتلٌ، يصلبنى على ضفافِ دجلةَ، ويريقُ دمى. فوَسِّعى الرؤيةَ، تتسعِ الرؤيا، فنجذلَ، فيكنْ حكمُنا فى الصمتِ كحكمِنا فى الكلام.

أوقفْتُها فى الوقفةِ، وقلتُ لها: قلبُكِ مشروخٌ يوشكُ أن يتصدّعَ، فأوقفَتْنى فى الوقفةِ، وقالتْ لى: رمِّمْه.
أوقفْتُها فى الوقفةِ، وقلتُ لها: قلبُكِ فقاعةُ حزنٍ توشكُ أن تنفثىءَ، فأوقفَتْنى فى الوقفةِ، وقالتْ لى: أفرغْه.
أوقفْتُها فى الوقفةِ، وقلتُ لها: جسدُكِ مُتربٌ بالموتِ، فأوقفَتْنى فى الوقفةِ، وقالتْ لى: انفضْه.
أوقفْتُها فى الوقفةِ، وقلتُ لها: أنا المرفأُ، فأوقفَتْنى فى الوقفةِ، وقالتْ لى: وسفينتى بحاجةٍ إلى شراعٍ، فكُنْه.
 
Posted by Muhammad | Permalink |


4 Comments:


  • At Friday, May 17, 2013, Blogger shaimaa samir

    اذن فقد التقيا
    ..
    القمر يفعل الكثير للمحبين
    لو يدركون

    رائعة
    رائعه
    محمد

     
  • At Saturday, May 18, 2013, Blogger Muhammad

    وإن كان صلاح عبد الصبور يقول تناصا مع شكسبير: آه، لا تقسم على حبى بوجه القمر/ذلك الخدّاع فى كل مساء/يكتسب وجها جديدا :)

    والله يا شيماء أنتِ أروع بما لا يُقارن، هكذا نحسبك ولا نزكيك على الله. سعيد فعلا انى عرفتك :)

     
  • At Saturday, May 18, 2013, Blogger نهى جمال

    في المرواغة قمر يحب البقاء كل ما يحتاجه أن يوسع الرؤيا / لمن يوسع ( له/ لهما ) الرؤيا ، لمن يناديه ..
    النفري قال: "إذا رأيتني فانظر إلي أكن بينك وبين الأشياء، وإذا لم ترني فنادي لا لأظهر ولا لتراني لكن لأني أحب نداء أحبائي لي."
    وكون اعتقاده أن اللغة عاجزة لا يجعل حكمُهم فى الصمتِ بديلًا عن حكمِهم فى الكلام، ففي الكلام هبة اللمس وفي الصمت هبة النظر،أنهما يُكملان بعضهما

    ولا يوجد عجزٌ هنا اطلاقًا

     
  • At Saturday, May 18, 2013, Blogger Muhammad

    وقد ناديْتُ القمر

    فى الكلامِ هبةُ اللمسِ، وفى الصمتِ هبةُ النظر، ونتيجةُ ذلك اتحادُ حكمِهما من حيث تحقيق الاتصالِ والوصل، حتى إن الصمتَ لَيكونُ أبلغَ فى البلاغِ - أحيانا - من الكلام

    يقول النفرى: كلما اتسعت الرؤيةُ ضاقت العبارة. من هنا يأتى عجزُ اللغةِ التى تقصرُ عن الإحاطةِ بالمواجيد

     

Post a Comment

~ back home