Friday, April 12, 2013,10:15
ضد التيار
يقول رولان بارت: ها نحن نرى أن السلطة حاضرة فى أكثر الآليات التى تتحكم فى التبادل الاجتماعى رهافة، فى الدولة، وعند الطبقات والجماعات، ولكن أيضا فى أشكال الموضة والآراء الشائعة، والمهرجانات، والألعاب، والمحافل الرياضية والأخبار والعلاقات الأسروية والخاصة، بل وحتى عند الحركات التحررية التى تسعى إلى معارضتها.

لم يعد مفهوم السلطة – عند مفكرى ما بعد الحداثة – مرتبطا بالسياسىّ وحده، بل صار إلى حال من الفضفاضية التى تدخله فى كل خطاب، باعتبار كل ظواهر المجتمع أنظمة خطابية، كما يذهب فوكو. إنها "كالفئران لا تُرى بوضوح إلا فى متاهات الممرات الأرضية وداخل جحورها متعددة المنافذ. إنها تمارس نفسها – كسلطة – انطلاقا من نقاط لا حصر لها، تمارس نفسها فى خفاء"، يقول دولوز.

التاريخ سلطة، والحقيقة سلطة، والفلسفة سلطة... إلخ، حتى الكتابة – التى رأى فيها ليفى شتراوس أداة سيطرة وهيمنة – سلطة. يجادل دولوز، "لقد كان تاريخ الفلسفة دائما عاملا سلطويا داخل الفلسفة وحتى داخل الفكر. لقد لعب دور المضطهِد، كيف تودون التفكير دون قراءة أفلاطون وديكارت وكانط وهيدجر وكتاب فلان أو فلان عنهم؟ لقد تكونت عبر التاريخ صورة عن الفكر تُدعى الفلسفة تمنع الناس تماما من التفكير".

وأيا ما كان موقفنا من جماعة الإخوان المسلمين، قبولا أو تحفظا أو رفضا، فإن الخطاب ضد الجماعة قد صار واحدا من تجليات السلطة بهذا المعنى صعب التحديد. ويبرز ذلك على نحو أكثر اتضاحا فى باحة الإنتليجنسيا التى لم يعد النفاذ إليها ممكنا إلا من خلال خطاب رفض الجماعة الذى يلقى قبولا لدى كل أحد، حتى أصبح مجرد طرح خطاب مغاير نوعا من التجديف الذى يفضى – غالبا – إلى الإقصاء والتهميش.

وقد ساد ما يشبه ذلك خطابَ التحرير تحت حكم المجلس العسكرى، فكل البيانات محكومة – مسبقا – بالرفض، ولم يكن ذلك – فى أغلبه – رفضا للسلطة التى يتموضع فيها السياسىّ، أو ازدراءً لما يقدمه من حلول للأزمة، قدر ما كان خضوعا لسلطة الميدان ذاتها، بحيث يصبح خطاب رفض سلطة السياسىّ مخرجا وحيدا من سلسلة لا تنتهى من المزايدات التى تُشكّل – فى ذاتها – شكلا من أشكال السلطة. ويُضاف إلى ذلك رؤيتُنا التى لا تضفى على القرارات البشرية كل هذا القدر من المعقولية المزعومة فيها؛ إذ تتدخل عوامل أخرى كثيرة فى تشكيل القرار، منها ميلنا إلى اتباع الأنماط، كما يرى مارك بوكانان.

كما أن الميديا – فى عصر مجتمع الصورة والواقع الخائلى – (والتى يتحكم فيها رأس المال) تعيد تشكيلنا من حيث لا نشعر، خصوصا بعد أن لم يعد الواقع أساس الصورة، بل أصبحت الصورة تسبق الواقع وتمهد له. لقد انتقلنا – طبقا لبودريار – من الصورة بوصفها انعكاسا لواقع أساسى، إلى الصورة التى تحجب الواقع وتفسده، إلى الصورة التى تحجب غياب الواقع، إلى الصورة التى تفقد الصلة بأى واقع على الإطلاق، لتحيل إلى ذاتها. إن أخذ مثل هذه التحليلات – التى تتناول تأثير الميديا على المتلقى السلبى – بعين الاعتبار، جنبا إلى جنب باقى ما أشرنا إليه، لمما يغير – ولنعد إلى الإخوان من جديد – فى تقديرنا لكل هذا اللغط المثار حول الجماعة. وفى عبارة أخرى، إن حالة "ضد الإخوان" التى نعيشها الآن، لا تتوقف – فقط – على أداء الجماعة سياسيا وخلقيا، بل تحكمه – كذلك – عوامل أخرى عديدة.
 
Posted by Muhammad | Permalink |


0 Comments:


Post a Comment

~ back home