Wednesday, April 03, 2013,05:36
فى الثلاثين .. أسئلة ومشاريع - الثالثة عشرة
قد يبدو الواقعُ ثقيلا ومُحبِطا فى ذاتِه، غيرَ أن فداحتَهُ تتجلّى – كأوضحِ ما يكونُ – حالَ مقارنتِهِ بالحُلمِ الذى كان، والفارقُ بين الحُلمِ الذى كان والحُلمِ الذى يكونُ (أو سيكون) يكمنُ فى اقترانِ أولِهِما باليقينيةِ التى تَوَهّمْنا معها أن شيئا سوى الزمنِ لا يفصلُ بين الحُلمِ وتحقّقِه. ثم كان هديرُ الزمنِ الدوّار، فبدأتِ الأحلامُ فى التكسّرِ واحدًا تلوَ الواحد، حتى وعينا أن بقاءَ الحُلمِ حُلمًا أساسٌ فى تركيبتِه، وأن كثيرًا من الأحلامِ غيرُ مقدورةٍ للتحقق، فتواضعْنا – حتى – فى الأمنية.

ارجعْ قليلا – أو كثيرا – إلى الطفلِ الذى كنْتَه، وتذكرْ ما دار بالخاطرِ فى تلك الأيامِ المتسعةِ كالمدى. ألم تظنّ – مثلى – أن السماءَ ستكونُ – يوما – فى مرمى الأكف؟ أنها مسألةُ وقتٍ لا أكثر؟ أنك ما أن تدلفَ من بوابةِ الكبارِ السحريةِ حتى سيغدوَ كلُّ شىءٍ واقعا؟ عدْ – من فوركَ – إلى الـ "هنا والآن". أدركتَ الفداحةَ التى تبديها المقارنة؟ والأكثرُ من ذلك: هل شعرْتَ كعبوةٍ من اللبنِ المُبَسْتر؟

فى "معرض الحيواناتِ الزجاجية" لتينيسى ويليامز، بدا "جيم" فى الثانويةِ وكأن الطريقَ سينتهى به إلى البيتِ الأبيض، لكنّ الصيرورةَ قد انحرفتْ به – قليلا – عن هذا المسار. (أقول "قليلا" لأستعرضَ – معكم – قدراتى التهكمية). والآن، إليك بالمفارقةِ المضحكةِ المبكيةِ فى آن: لقد انتهى به الأمرُ موظفا فى مصنعٍ للأحذية. إن هذه الحياةَ مخيبةٌ للآمالِ على نحوٍ مؤسٍ وخادشٍ للحياء.

وليس يجدى أن تتساءلَ عن تلك الليلةِ التى وقعَ فيها الخطأ؛ فلم يكن من وقوعِهِ بُدّ، وما كنتَ لتُفلحَ – يا لاعبَ السيركِ – فى تجنبِ كلِّ خطأ، وإلا لأمكنَ – خلافًا للمقدورِ – أن تقومَ جنةٌ على هذه الأرض.

ما كان هو نفسُ ما سيكون، كما يشيرُ الجامعةُ بن داود؛ ولذلك فإن السيناريو يكررُ نفسَهُ حدّ التكرار: فى البدءِ يكون الحُلمُ بإمكانيةِ تسلقِ أسوارِ الاستحالة .. نسقطُ من حالقٍ، فينشجُّ الرأسُ (ويتعلمُ القلبُ أن يحترس) .. نتواضعُ قليلا، فنحلمُ بسياجِ المُمكن .. نقعُ من الحبلِ المشدودِ بين حُلمين، فنرضى بالمُتاح.

مفتتحٌ وخاتمة: لولا مخافةُ ذلك الذى يكونُ بعد الموتِ، لانفضضْتُ عن هذه المائدةِ منذُ أمد.
 
Posted by Muhammad | Permalink |


6 Comments:


  • At Wednesday, April 03, 2013, Blogger shaimaa samir


    العالم يحدق في الذاكرة
    فيشطرها نصفين
    حلم
    حقيقة
    والحلم مريض دوما
    والحقيقة باتت مجنونة
    والعالم يرثي لحاله
    ويحرق في الذاكرة
    ...

    وهكذا احلام كبيرة تتقلص
    وحقائق مريرة موجعه
    ونحيا


    رائع ما كتبت

     
  • At Wednesday, April 03, 2013, Anonymous سعدية

    هو ايه اللى ممكن يتكتب تعليق على كلامك ؟
    سوال دايما بيوجهنى لما بنتهى من قراءةاى بوست ليك

    شكرا على مرورك الرقيق عندى
    وعلى فكرة وشك حلو عليا

    انا متابعة ليك باستمرار اكتر من الاستمرار :)
    و مستنية اشوف ايه اخر الاسئلة والمشاريع


    مع خالص مودتى

     
  • At Wednesday, April 03, 2013, Blogger نهى جمال

    في الحلم متسع من الموت نتجاهله وهي الفاصلة بين احتمالية التحقق وتعددية اللاتحقق " بس الغرقان بيتعلق بقشاية بقى "
    حتى لو تكرر الحدث وتكررت التفاصيل وتكررنا نحن شخصيًا

    في أول ارتباطي بالتنمية البشرية اعتقدت أن الحياة " هتيجي لو إنت رحت لها " مع الوقت اكتشفت أنه مهما تحاول فالحياة مجرد لقطة حظ بعيدًا عن هرتلة عالم التنميات والأمنيات والأحلام وكفرت بالتنمية البشر شخصيًا وآمنت ان الحياة كائن دنيء وإنه القلوب لا تحترس وإنه الممكنات أكبر اشتغالة :D

    وكلنا لولا المخافة لرفعنا الراية البيضاء واتكلنا

    فـ " بما إنو العيشة سودا و مش بيضا اجتمعنا و قررنا نسلق بيضة " الرحباني شل

    مساؤك براح وابداع :)

     
  • At Wednesday, April 03, 2013, Blogger Muhammad

    شيماء

    إذًا فالذاكرةُ (الشجيّةُ بطبيعتها) موزعةٌ بين حلمٍ مريض، وحقيقةٍ مجنونة .. ونحيا. إن المرءَ لَيتساءلُ - فى لحظات - أىُّ حياةٍ تلك؟!

    شكرًا لك، ودمتِ لنا: لونًا وكلمة :)

     
  • At Wednesday, April 03, 2013, Blogger Muhammad

    سعدية

    مجردُ المرور كافٍ، وإن لم تتركى تعليقا؛ فالطيفُ يقنعنا والذكرُ يكفينا :)


    أما مرورى الرقيقُ - زعما - فسيتبدّى - حالَ مقارنته برهافةِ حضورِك - ذكوريّا وخشنا

    شكرا لك، وتهنئتى للجائزة :)

     
  • At Thursday, April 04, 2013, Blogger Muhammad

    نهى

    إذًا يرتبط اللاتحقق بالتعددية، ويظل التحققُ مجردَ احتمال. ياللقتامة! ورغم ذلك، ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأملِ

    انتى كنتى من بتوع التنمية البشرية! تصدقى زعلتينى :)
    لكن رحم الله الدكتور إبراهيم الفقى. كان راجل طيب

    واحدة اومليت معاكى الله يكرمك :)

    وتسلملى هالطّلّه :)

     

Post a Comment

~ back home