Friday, March 15, 2013,00:04
عِظَةُ الجَبَل
كلُّ مكانٍ مظلمٍ بحاجةٍ إلى مصباح، والمصباحُ لا يحمله سوى إنسان، ومصباحُ الإنسانِ قلبُه. فسيحوا فى الأرضِ بقلوبٍ وضاءة، وانظروا إلى كلِّ ركنٍ بعينَى الحبِّ والرحمة، تُنرْ بكم الأرضُ التى وهبكم الربّ.
صوت: نظر الحواريّون فى وجوهِ بعضِهم البعض، ثم حطتْ عيونُهم على الأرضِ فى خجل، وكأن كلّ واحدٍ يقول فى نفسه: إن المعلمَ يبالغُ فى تقديرِ خبيئتنا، التى أوشك زيتُها على النفاد، وفتيلُها على الانطفاء، بعد أن ابتلعتْها ظلمةُ الأماكن.
أنتم ملحُ الأرض. كُلُّكم ملحُ الأرض. الإنسانُ ملحُ الأرض. فلا تفسدوا الأرضَ بصيرورتكم شيئًا آخر، فالأرضُ غذاؤُها الملح.
صوت: ظل المعلمُ يكرر "الملح" حتى أحسوا بالملوحةِ توشك أن تتفصدَ من مسامِ أرواحهم، فبالغوا فى الكتمان، خشيةَ افتضاحِ أمرِهم فى عينيه.
أنتم عسلُ الحياةِ وشهدُها الذى لولاه ما احْلَوّت. أنتم الوعىُ القادرُ على تلقّى الوجود. فلا تبيعوا أنفسَكم لقاءَ ثلاثينَ من فضة، تُهفهفْ أرواحُكم حوّامةً فى أجزاءِ الكونِ المتفتحِ للطالبين، وتحْلُ فى قلوبِكم الحياة.
صوت: كانوا قد باعوا أنفسَهم بأقل من ثلاثينَ فضة، غير أنهم لم ينتبهوا لفداحةِ الخسرانِ الذى تضمنته الصفقة، إلا فى هذه اللحظةِ التى قال فيها المعلمُ كلماتِه تلك، وهو واقفٌ – يبشّرُ بالداخلين إلى مملكتِه – على الجبلِ المهيب.
يدخلُ مملكتى من حملَ المصباح. يدخلُ مملكتى من أبقى على الملح. يدخلُ مملكتى من احلوّتْ فى قلبِهِ الحياة. وليس يدخلُها من أنكرنى قبل أن يصيحَ الديكُ ثلاثَ صيحات.
صوت: بينما كان يصيحُ الثالثة، كانوا يغسلون أيديهم من الترابِ الذى علقَ بها من صَلْبِ المعلم.
Post a Comment