Thursday, March 07, 2013,00:22
أبى - فجيعة
إذًا، تركْتَنى يا حاج على! وبينما كنتُ أصلى لله الذى فى السماء أن يردك لى، كنتَ تلملم أطرافَ ثوبك وأعمالَك الصالحاتِ إيذانا ببدء رحلتك البرزخية، وركوبِ دربِ معراجِك إلى السماء. إذًا، تركتنى يا حاج على! وكنتَ الشجرةَ التى تطفو بى فى ماء الحياة، وتعلمُ أننى لا أجيد العوم. إذًا، تركتنى يا حاج على! وتركتَ لى عصاك التى كنتَ تتوكأ عليها، وتهش بها عن غنمك غوائلَ الأيام، غير أنك لم تترك لى – برحيلك – عصاى. إذًا، تركتنى يا حاج على! ولأول مرة أستشعر المعنى الحقيقىّ لانكسار الظهر. إذًا، تركتنى يا حاج على! وحملتَ معك وهمى القديمَ عن خلود الأبوين؛ لأكتشف – بغتة – أن الآباء – كسائر أبناء آدم – يروحون فى الرائحين. إذًا، تركتنى يا حاج على! وازداد الفزعُ من هذا الوجود الذى لو خلا من كل مأساة لكفته مأساةُ الموت. إذًا، تركتنى يا حاج على! ففقدتُ – برحيلك – جزءً غاليا من ذاتى للموت، وبدأتِ البذورُ الحقيقيةُ لاشتياق الرحيل الذى هو الاكتمال، بعد تشظى الذات بين عالمين. إذًا، تركتنى يا حاج على! والذبحةُ التى فى القلب ستظل على امتداد العمر، والغصةُ التى فى الحلق لن يبليها سوى دود القبر. إذًا، تركتنى يا حاج على! وليس يسلى القلبَ سوى إحسان ظنى بإلهى الرحيم الذى يعلم ما احتملتْه هذا الكينونة/كينونتُك من هَمٍّ وهَمّ. إذًا، تركتنى يا حاج على! وليس يجدى مبلغُ الرجال – الذى بلغتُ – فى دفع اليتم. إذًا، تركتنى يا حاج على! وانفتحتْ عيناى – فى رعب – على حقيقة الموت التى تَبيّن لى أننى ما عرفتها – على كثرة الفكر فيه – من قبل – قط. إذًا، تركتنى يا حاج على! وما برح انسحابك مراوغا وعصيا على التصديق، وإن اعتلتنى – فى لحظاتٍ – دهشةُ الإدراك الذى يخزّ اللحم. إذًا، تركتنى يا حاج على! وما عاد ممكنا أن أكون "محمدًا" القديمَ الذى يضرب فى الأرض مطمئنا إلى الغطاء الذى يقيه النصالَ التى تتعاقب فوق النصالِ من أمامٍ وخلف. إذًا، تركتنى يا حاج على! ولستُ ألومك للرحيل؛ فقد حُقّ لهذا الجسدِ المنهكِ – كما أخبرتُك فى الأيام الأخيرة، وأنت لا تسمعنى (أو لعلك فعلت) – أن يستريح من كل هذا الكَبَد، ولهذه الروح التواقةِ إلى كنفِ بارئها – الذى أقبلَتْ عليه – أن تطمئن. إذًا، تركْتَنى يا حاج على! تركْتَنى!
 
Posted by Muhammad | Permalink |


6 Comments:


Post a Comment

~ back home