Tuesday, December 11, 2012,03:08
فى الثلاثين .. أسئلة ومشاريع - الخامسة
لو كان لى أن أتبع فى إنشاء إيمانى سَنن الفلاسفة لحذوت خطو الألمانى العظيم كانط فى المقدمة، ولانتهيت مع الدانماركى العظيم كيركجورد فى النتيجة. جاء كانط ليهدم – ضمن ما هدم – الصرح الاسكولائى الذى حاول توما الإكوينى ومن لف لفه تشييدَه فى القرون الوسطى، بتدعيم العقائد المسيحية بأسس من العقل. جاء ليخرج العقل – بصورة حاسمة – من ساحة النقاش؛ بوصفه غير قادر على الخطو خطوة واحدة فى مثل هذه المساحة – لو جاز التعبير – الميتافيزيقية. فالعقل – طبقا لكانط – محكوم بالمقولات، وهى تصورات أولانية سابقة على كل تجربة. إن العقل الكانطى لا يمكنه التعامل إلا مع الأشياء فى الزمان والمكان؛ ولذلك فإن وجود الله مما لا يمكن للعقل الخالص أن يبت فيه إيجابا أو نفيا. لم يعد للمؤمنين أن يتذرعوا بمثل هذه الحجج الاسكولائية الإكوينية، ولم يعد للملحدين – كذلك – أن يجدوا فى العقل مرفئا.

ثم تجىء "القفزة" الكيركجوردية لتقدم نوعا من الحل المؤلم. الإيمان – بطبيعته – لا معقول، وليس – فى جوهره – سوى وثبة. الإيمان مخاطرة. إن كيركجورد ليعطى للنعمة الإلهية دورا فى الإيمان، لكنه ما يلبث أن يؤكد على ضرورة استجابة الفرد بقرار حر .. بوثبة. وهى كذلك لأنها لا تستند إلى برهان أو منطق. إن من شأن تقديم البراهين أن تزيد الاقتناع، والاقتناع – كما نفهم من كيركجارد – غير الإيمان، إذ قوام طبيعة الأخير – خصوصا فى صورته المسيحية – المفارَقة. يقول: من واجب الفهم البشرى أن يفهم أن هناك أمورًا لا يمكن أن تُفهَم. حتى لتكاد هذه المقولة أن تعيد إلى الذهن مقولة القديس أوغسطين: لكى نفهم، لابد أن نؤمن.

لو كان لى أن أتبع فى إنشاء إيمانى سنن الفلاسفة لحذوت – فى المقدمة – حذو كانط، وفى النتيجة حذو كيركجورد. لكننى لا أبالى بإيمان الفلاسفة فى كافة صوره، ولست أعتقد أنه الإيمان الذى يرضاه الله الذى آمن كيركجورد أن وجودنا هو وجود أمامه. إن ما أومن به هو إيمان الرسل، وفيه أجد إجابة السؤال الذى طرحته من قبل. وإذ أقول ذلك يتبادر إلى الذهن إيمان الخليل إبراهيم، وإيمان الصدّيق أبى بكر. ربما أعود إلى ذلك فيما بعد.

على الهامش: لا أعرف دليلا قدمه أحد الفلاسفة على وجود الله أكثر خسة وانحطاطا من رِهان باسكال الذى عُرف ببرهان المقامرة، وهو برهان براجماتى كما يصفه الفيلسوف الذرائعى وليم جيمس. حتى أن ما وُجه إليه من نقودات لا يقل عنه – فى رأيى – سخفا. نسأل اللهَ الهدايةَ والتوفيق.
 
Posted by Muhammad | Permalink |


0 Comments:


Post a Comment

~ back home