الفرحة ممكنةٌ لطفل، وهى فرحة بسيطة لا تعرف التركيب. كنا صغارا، وكان لنا من الفرحات الصغيرات مائة أو يزيد. مريول قصير أزراره من الخلف، وشعر مصفف. مدرسة، وبيت، ورفاق لهو. ولا شىء سوى ذلك فى هذا العالم الفسيح.
حملتنا الشواديف من هدأة تلك الأيام التى يداولها الله بين الناس/الأطفال، لتلقى بنا فى جداول أرض الغرابة. ذلك الإلقاء الذى صاحبه السفر إلى ما يسميه عبد المعطى حجازى – فى طلليته – بـ "حزن الرجال"، وهو صنو التجريب، ونتيجةٌ منطقية لـ "فكل العمر أسفارُ".
يتفتح الوعى فلا يعود ممكنًا ألا تدركَ ما أدركْت. يتغير التموضع، ويتغير المنظور، فتتكون مفاهيم ممضة عن "الدنيا كما نعرفها"، ولا تعود الفرحة ممكنة للطفل الذى شب.
الفرحة ممكنة لطفل، وهى ضد التجريب. إنها ثنائية (بالأحرى ضدية) البراءة/التجربة كما تتبدى – مثلا – عند الشاعر الإنجليزى وليم بليك. لاحظ عنصر الشّرية الذى يظهر فى
The Sick Rose من "أغانى التجربة" (والذى يذكرنا بـ "الأجدل المنهوم" عند صلاح عبد الصبور)، وهو العنصر المفتقد فى القصيدة التى تقابلها من "أغانى البراءة":
The Blossom. الشىء المطّرد فى العملين كليهما إذ يُنظر إليهما سويا فى نفس الوقت.
ولما كان عدم إدراك ما تم إدراكُه متعذرا أو مستحيلا، كان أقصى ما يمكننا أن نطمح إليه فى هذا العالم هو "
الغبطة" التى يسرى فيها نهر الحزن الشفيف فى عمق كل فرح ظاهر. إن مملكة المسيح – كما يخبرنا الكتاب المقدس – ليست من هذا العالم.
فى الحلقات التلفزيونية "سارة"، لمهدى يوسف تأليفا، وشيرين عادل إخراجا، تبدأ سارة (حنان ترك) مما أسماه العمل "وضع الجنين"، وهو حالة من البراءة الغفل. تطّرد الأحداثُ، فتَخبرُ سارةُ "الدنيا كما نعرفها"، وتعود – من حيث ابتدأت – إلى الانسحاب إلى الداخل .. إلى الحالة الجنينية الأولى. لكن العودة تغاير البدءَ تمام المغايرة؛ إنها عودة المجرب الذى عرف. حتى إن تلك البراءة الغفل التى شكلت نقطة الانطلاق لم تعد ممكنة. يقول صلاح عبد الصبور فى كتابه الحميم "حياتى فى الشعر": وأؤمن أن غاية الوجود هى تغلب الخير على الشر من خلال صراع طويل مرير، لكى يعود إلى براءته، التى هى ليست براءة غفلا عمياء كما كانت حين صدورها عن الله، ولكنها براءة اجتياز التجربة والخروج منها كما يخرج الذهب من النار، وقد اكتسب شكلا ونقاء".
جميل يا محمد، يا ريتك تكمل لحد ما تم الواحد والتلاتين. :)
حبيت أعلق عشان أقول إني متابع ليس أكثر. :)