Monday, March 18, 2013,18:40
سُدَى
لستُ أعرف من الشعرِ بيتًا هو أبعث على الحسرةِ الناجمةِ من إدراكِ خيبةِ بطلانِ السعى من بيتِ ابن الفارض الشهيرِ فى ميميته: إن كان منزلتى فى الحبِّ عندكمُ ... ما قد رأيتُ، فقد ضيّعتُ أيامى.

هكذا، إذ تتحولُ أمنيةُ العمرِ بأكملِه إلى أضغاثِ أحلام، كما يستطردُ ابنُ الفارض، بعد أن بارتِ الصفقةُ القائمةُ على مقايضةِ "أيامى" لقاءَ "منزلتى فى الحبِّ عندكمُ"، لتتبدى فداحةُ الخسرانِ فى وعىِ قيمةِ المقايَضِ به، الذى هو وجودُه – الأوحدُ – على هذه الأرض، فى مقابلِ "المنزلةِ" التى لا يتحققُ منها شىء، أو التى تقصرُ – فى أفضلِ الأحوالِ – عن بلوغِ المأمول.

إذًا، تنقضى الأيام، ولا يبلغُ السالكُ المنزلةَ/الغايةَ التى توهّمَ إمكانَ حصولِها، فيكونُ خاتَمُ الخيبةِ الثقيلُ الوقع على فؤادِ الروح، ويعزِّزُ ثقلَه انقطاعُ أملِ العودة، واستحالةُ الاسترداد.

ومما يُعزِّزُ الحسرةَ – كذلك – توهّمُ السالكِ إحسانَه الصنعَ من حيث كان – غافلا – فى الضلالة، وهو ما تعبرُ عنه آيةُ "الكهف" – فى بلاغةٍ – فى معرضِ تقريرِها للأخسرين أعمالا، "الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا". إنها فجيعةُ المطمئنِ إذ يُواجَهُ – فجأةً – بالسُّدَى.
 
Posted by Muhammad | Permalink |


0 Comments:


Post a Comment

~ back home