Sunday, March 24, 2013,11:10
كل هذا الأسى
الأسى فى القلب، ورمادُ التبغِ فى الفمِ والرئتين، فأنّى للكبدِ ألا يتقرّح؟

ولى كبدٌ مقروحةٌ من يبيعنى
بها كبدًا ليستْ بذاتِ قروحِ
أباها علىّ الناسُ لا يشترونها
ومن يشترى ذا علةٍ بصحيحِ

غير أن العلماءَ المكتشفين حين بحثوا عن "الصحيحِ" لم يجدوه؛ فحين ضربَ طوفانُ الأسى الأرضَ فى عصورِها الأولى، لم ينجُ أحد.

كانت الديناصوراتُ العملاقةُ، وكان البشر. ارتفعَ الماءُ حتى جاوزَ التراقى، وبانحسارِهِ فتش الباحثون، فلم يجدوا ديناصورًا إلا وقد أهلكه الموج. وحده ابنُ آدم الذى صمد؛ إنه كان ظلوما جهولا.

ظلتِ السلالةُ تبحثُ حثيثا، رغم محكوميّتها – ابتداءً – بالمعاناةِ والكَبَد. وبعد أزمنةٍ متطاولةٍ من السعىِ المحموم، أجرى العارفون التجارب. كانت النتائجُ مذهلة؛ امتلأتْ أنابيبُ الاختبارِ والسحاحاتُ والدوارقُ المخروطيةُ بمزيدٍ من الأسى. تحولتْ أوراقُ العَبّادِ – الحمراءُ والزرقاءُ – إلى البنفسجىّ. واعتبرَ الكيميائيون ذلك تأكيدًا لما أقرته الفيزياءُ الحديثةُ من ارتفاعِ منسوبِ الحزنِ فى القلب، وتمدُّدِهِ مع الكونِ المتمدد.

وحين تُقُبِّلَ قربانُ هابيلَ، قتله أخوه، ولما لم يدرِ ما يصنع، استلهمَ الغراب. تعلمَ الإنسانُ الرثاء، فكانت ذاته أول ما رثى.

غيرُ مُجدٍ فى ملّتى واعتقادى
نوحٌ باكٍ ولا ترَنُّمُ شادِ

وذلك أن النوحَ والترَنُّمَ يمتزجان فى مُرَكّبٍ أسيان، يعلنُ عن حقيقةِ هذا الوجودِ الذى لا يمكننا أن نطمحَ فيه إلى أكثر من الغبطة. إن مملكةَ المسيحِ ليستْ من هذا العالم.

ولولة: أمواتٌ أبناءُ أموات. حاملون يحملُ بعضُنا بعضا، والفراقُ – تقولُ عمتى – صعيب. محكومون بالغياب. محكومون بالرحيل. محكومون بأن نراهم فى العنفوان الذى تدهمه السيرورةُ حتى يتفصّدَ من مسامِ البدن، فينسربون – أمام أعيننا – من راحةِ اليدِ كحباتِ رملٍ ينسربُ معها القلبُ من محبسه، والعقلُ مُنشَدِهٌ – فى العجزِ – ذاهل. محمولون أبناءُ حاملين، وحاملون أبناءُ محمولين، وفى نهايةِ الشوطِ ينزعونهم من ذواتنا؛ ليوسدوهم الأرضَ التى أنبتتْ كل محمولٍ وحامل، فكأنهم ينزعون الفِقارَ التى تقيمُ الظهر، إذ يضعونهم – مُكفّنين – فى الأمِّ/الرحم. ومحكومون أن نواصل – وحدنا – هذا التعب، أن نواصلَ – وحدنا – هذه المسيرة. يا صاحبى .. هذه المسيرة.

يالله! فى نصفِ نهار! كل هذا الحزنِ فى نصفِ نهار!
 
Posted by Muhammad | Permalink |


4 Comments:


Post a Comment

~ back home