Monday, April 08, 2013,05:04
سِفْرُ الخُرُوج .. وسَفَرُ الدّخُول
كنتُ بحاجةٍ إلى البوحِ، وإن لم أكن راغبًا فيه؛ فجلسْتُ إلى شيخى القديمِ، وكان قد أرخى ساعدَهُ، واستندَ إلى جذعِ شجرةٍ، بعد أن أنهكَهُ طولُ الترحال، وقلتُ له: الغريبُ – يا شيخى – أنها بذلَتْ جهدًا لتعلّمَنى أن التراجعَ استحالة، وبرّرَتْ ذلك بما للهوى من قدرةٍ على القهر. والمضحكُ أننى صدّقْتُها. لم أصدِّقْها – يا شيخى – عقلًا، بل ممارسة. لقد آمنْتُ. وأنا – الآن – بين يديكَ؛ لأنها تراجَعَتْ. هكذا، بعد أن لقّنَتْنى الدرس. تبيّنَ لها أنّ التراجعَ ممكنٌ، وأنّ إرادةَ الإنسانِ تقهرُ قهرَ الحبّ. زلزلَتْ إيمانى بما علّمَتْنى وعلّمْتَنى يا شيخُ؛ فنخرَنى الشكّ. ثم كيف للوجدِ أن يبلغَ هذا المدى بين ناسوتَيْن؛ ما دمنا هنا للموت؟ ألسنا – هنا – للموت؟! كان منطقيّا – إذًا – أن يموتَ ما نما – ذاتَ تمشيةٍ – فى القلب.
لو أنها علّمَتْنى – فيما علّمَتْنى – كيف أتوقّفُ، يا شيخ! فقط لو أنها علّمَتْنى كيف أتوقّف! لكنها ضنّتْ علىّ – يا شيخى – بهذا السرِّ، رغم أنها كانت تعرفُه. أعرفُ – يا شيخى – أنها كانتْ تعرفُه. كانتْ تعرفُهُ، وتعرفُ كيف تنقلبُ إلى هذا الحدِّ .. وقد فعلَتْ.
ارتجفَ، وتصبّبَ عرقُه، بينما كان يحفرُ بعصا صغيرةٍ على جذعِ الشجرة. وحين انتهى، كان اسمُ "ليلى" بارزًا على اللحاءِ فى عمق. انتبهْتُ للإشارةِ، فقلتُ: لكنّ "ليلى" لا تقبلُ ما دون الروحِ يا شيخُ، وأنا ما زلتُ منغرسًا فى الطينِ إلى شحمتى الأذنين. التفَتَ ناحيتى لأولِ مرةٍ، حتى أشَحْتُ بوجهى عن نظرتِهِ النافذةِ، وهمَس: كن بُستانيّا، ينبتْ فى جُوّانيّتكَ الورد.
– لكنّ جوانيّتى خرابٌ يا شيخ.
– ومَن منا ليس كذلك؟ غيرَ أنّ العارفَ من يبذرُ فى الخرائبِ بذورَ الوردِ، ويتعهّدُها، ويرعاها بالكتمانِ، حتى تنبتَ أقحوانةٌ هنا، وقرنفلةٌ هناك. والوردُ – يا ولدى – يجلبُ الورد.
قلتُ: ولِمَ تركْتَنى أبذرُ بذورَ الناسوتِ منذ البدء؟
قال: لِتجرِّبَ وتعرفَ وتتألمَ، وحين تعودُ، تكون تربتُكَ جاهزةً للغرس. هذا دربٌ لا يكون إلا فى المعاناةِ يا ولدى، ولسْتُ أعرفُ واحدًا من سالكيهِ إلا كان حاضرًا فى التألّم. كلُّنا أتيناهُ زاحفين فى الشوكِ، ومن لا يأتينا هكذا، لا يأتينا قطّ.
نزلَتْ كلماتُهُ على قلبى بردًا وسلامًا، فازدادَتْ أريحيّتى، وبكيتُ. كنتُ قد جرّبْتُ وعرفْتُ وتألّمْتُ، وما عاد ينقصنى لأذوقَ سوى أن أضعَ الخِرْقَة. غبْتُ قليلا فى استرجاعِ الرحلةِ، حتى شعرْتُ بنداوةِ الدمع. وحين انتبهْتُ، كان شيخى يصعدُ الجبلَ، وعلى ظهرِهِ حِمْلٌ لم أتبيّنْه، لكنّنى أدركْتُ – رغمَ المسافةِ – أنه قد بدأَ يَحزن.
Posted by Muhammad |
Permalink |
-
بدأ يحزن لانه يعلم بما هو قادم
بذور الناسوت اولاً
تألم وزحف
بذور الورد ثانيةً
ومن ثمّ لا تعلم
اى بذور لا بد ان تُزرع فى هذا العالم
الذى يحتاج الف بذرة من حب
حلم
وطفولة بسيطة
وأشياء ندركها مع الوقت
سلمت يمينك يا مُحمَد
-
شيخك يخدعك يا محمد
(كن بستانيًا ينبت في جوانياتك الورد)
وتوضِّح له أن جوانيتك خراب ..
فيتمادى في إيهامك بإمكانية استصلاح الأرض وري الزرع في الخراب!!
..
شيخك كااذب .. شيخك كاذب
.
طريقك إلى الحزن وتطهير روحك أنصع من أن تتبَّع من أجله آثار شيخٍ أو أخبار عابر
..
إنما قلبك دليلك .. وسترد المهالك على كل حال
.
-
كما قالت سافو : " يا ابنة أفروديت أنت تخدعين البشر الفانين " :)
الوجع مسارات حينما تبلغ نهايتها تحملها السماء على ظهورها وتسلمنا لافراحٍ أخرى ثم لأوجاع أخرى .. الحياة تعب والقلب تعب بين كل هذا ضحكات ما وحمل تأخذه السماء ووارد يكون شيخ ما :)
واللهم يبذرُ لك فى الخرائبِ بذورَ الوردِ :)
-
شيماء
أحسبُ أن بذور الطفولة البسيطة تُغْنِى عمّا عداها، لكنّ العالمَ قد تجاوز طفولتَه منذ أمد، وهو فخورٌ بذلك، وفخورٌ بالمعرفةِ التى واتتْه على مدارِ الرحلة، وفخورٌ - فيما يبدو - باستعاضته عن السعادةِ بهذا الفخر، إلى الحد الذى صار معه "كابوسيّا"، كما يتبدّى - لى - فى كتاباتِك
وسلمتِ :)
-
إبراهيم
شيخى طيبٌ، وقد خفّ فشفّ فذاقَ فعرف. وكثيرا ما يدنو شيخى من قلبى، أو يدنو قلبى من شيخى، حتى يصيرا إلى حال من الاتحاد الذى لا أميزُ معه الواحدَ منهما، فيكون انكشافُ البصيرة، وتكون الاستنارة
خد بوسة بقى (K)
-
نهى
Yep. It is SHE who beguiles our mortal hearts :)
ما كان أجملَ أن تنسبى البذرَ لله
دمتِ وردةً فى الخرائب، وزهرةً فى المدائن :)
بدأ يحزن لانه يعلم بما هو قادم
بذور الناسوت اولاً
تألم وزحف
بذور الورد ثانيةً
ومن ثمّ لا تعلم
اى بذور لا بد ان تُزرع فى هذا العالم
الذى يحتاج الف بذرة من حب
حلم
وطفولة بسيطة
وأشياء ندركها مع الوقت
سلمت يمينك يا مُحمَد