Saturday, June 08, 2013,04:30
المُكاتبات - الثامنة
مفتتح: أجملُ البحارِ هو البحرُ الذى لم نذهبْ إليه بعد، وأجملُ الأطفالِ هم الذينَ لم يكبروا بعد، وأجملُ الأيامِ هى تلكَ التى فى انتظارنا، وأجملُ القصائدِ هى تلك التى لم أكتبْها لكِ بعد. [ناظم حكمت]

ولم يقُلْ "أجمـلُ النسـاءِ أنتِ"؛ لأنه لا مقارنةَ مع تمـامِ المحبّـةِ؛ إذ المقارنةُ دليـلُ لَحْظِ الغيـر، والمُحبّ – حقيقةً – لا يرى غيرَ حبيبِه، حتى إنه ليذهلُ عن نفسِه فلا يراها مع رؤيتِهِ المحبوب، ثم يذهلُ عن ذهولِه، وهو الفناءُ عن الفناء. فتنبّهى!

وعلى أية حال، بونجور يا برقوقتى. سا فا؟ عساكِ بخير. والأهل والصِّحاب؟ كلّ شىءٍ على ما يُرام؟
أما عن أخبارِنا فما جدّ جديدٌ منذ تبدّلَتْ بنا الأحوالُ من راحةِ البالِ إلى تمامِ الانشغال. ما زلنا مشتاقينَ شوقًا ليس يدفعُهُ تصبّرٌ ولا اجتهادٌ فى طلبِ أنس. والشوقُ وإن كان علامةَ الغيابِ، والأنسُ وإن كان علامةَ الحضورِ، إلا أننا مشتاقون فى الغيابِ وفى الحضور، وفى الحزنِ وفى السرور.

طاغيةٌ أنتِ؛ كيف أفسدتِنا على أنفسِنا إلى هذا الحدِّ الذى لم نعد نرجو معه اجتماعَ أمرِنا بعد الفرق؟ ضقنا بجلودِنا حتى وددْنا لو خرجنا منها واكتسيناكم؛ فافتحى الجُبّةَ لأحلّ. ما عدتْ أرى لى من راحةٍ فى البقاءِ فردًا؛ فافتحى الجُبّةَ لأحلّ. تصيرُ فرديتى فرديتَكِ، وفرديتُك فرديتى، وتنمحى بيننا الأنيةُ والأنتية؛ فافتحى الجُبّةَ لأحلّ.

ورؤيتُكم وإن زادتْنا طربًا على طربٍ (وطربُنا يكون لقوةِ واردِكم ولضعفِنا معًا) حتى لَنهتز كعصفورٍ بلّلَهُ المطرُ، إلا أن التجملَ بالصبرِ فى القربِ أيسرُ علينا منه مع حصولِ المسافة؛ فناشدناكم وَصْلا نسكرُ به سُكرًا لا إفاقةَ منه إلا إفاقةَ الموت.

مرآةٌ أنتِ – يا برقوقتى – مجلُوّةٌ أرانى فيها، ومرآةٌ أنا مجلُوّةٌ ترينَكِ فيها، كالثلاثينَ طائرٍ والسِيمُرْغ*؛ إذ ما كان هؤلاء إلا ذاك، وما كان ذاك إلا هؤلاء. ولما عرفتُك عرفتُنى، ولما عرفتِنى عرفتِك. ألا زالَ العارفُ والمعرفةُ ولم يبقَ سوى المعروف! ألا اتّحدَ العارفُ والمعروفُ وزالَ العارفُ والمعرفةُ ولم يبقَ سوى المعروف!

خاتمة: واللهِ لا يؤمنُ، واللهِ لا يؤمنُ، واللهِ لا يؤمنُ – بالحُبِّ – حتى تكونى أحبّ إليه من القاهرة. وواللهِ لا تؤمنينَ، واللهِ لا تؤمنينَ، واللهِ لا تؤمنينَ – بالحُبِّ – حتى يكونَ أحبّ إليكِ من الإسكندرية.



* تسافر مجموعة من الطيور نحو ملكهم الأعظم سِيمُرْغ – وهو طير فى غاية الجمال والجلال – فى سفر محفوف بالمخاطر والمهالك، فتهلك كلها إلا ثلاثين منها تصل إلى باب قصره. وعند وقوفهم أمامه يكتشفون أنهم عندما ينظرون إليه يرون أنفسهم، وعندما ينظرون إلى أنفسهم يرونه هو. والسِيمُرْغ بالفارسية معناه "ثلاثون طيرا". (يراجع منطق الطير لـ فريد الدين العطار).
 
Posted by Muhammad | Permalink |


6 Comments:


Post a Comment

~ back home