Sunday, June 02, 2013,02:25
المُكاتبات - الخامسة
فى تلك الليلة، سنصفو. فى ضىٍّ خافت كالعتمة، وعتمة مضيئة كالضىّ، سنجلس متواجهَين متخذَين وضعيةَ البوح: أنت مسندة رأسك إلى يمنى يديك، وأنا مضطجعا على شمالى أسند رأسى ليسرى يدىّ. سنقول كلاما ما قاله أحد من قبل، بلغة ما تكلمها أحد من قبل، وسننظر فى العيون حتى نشف فننكشف. سأنكشف أمامك وستنكشفين أمامى، سنعرى من كل بهرج وسواد، ولن يبقى سوى الأبيض فينا، فيرى أحدُنا جمالَ الآخر وصفاوتَه، ونصفو. سنبتسم طيلة الجلسة، وسنكتشف صدقَ درويش الذى ترددنا إزاءه طويلا، سنعتبره قديسا أن وجّه انتباهنا إلى أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة، حتى الألم، ورغم دمع العنب. وما أن نصدقَ حتى نصبح قديسَين مثله، وسنمشى بالنبوءة مبشرَين بين الناس. "أيها الناس، على هذه الأرض ما يستحق الحياة". وسيزداد فينا الإيمان؛ سنؤمن أنه ما كان لنا أن نلتقى، فنذوق، فنعرف، لو لم يكن لهذا الكون رب يرعاه، ويطبب بعضَ خلقه ببعض خلقه. وسنَعجب كثيرا لمن انتحر؛ كيف انتحر هؤلاء وتركوا هذه الأرض الطيبة! سنراها طيبة، وسنرى الكون حلوا كقطع السكر. وستكونين سكرا، وسأكون سكرا، حتى نذوب بما وجدنا، ونصفو. ستنادينى بغير اسمى، وسأناديك "يا برقوقتى"، وسنعرف الضحكةَ البريئة، والدمعةَ البريئة، والخلاص. لمرةٍ واحدة، فى تلك الليلة، سنعرف الخلاص. سنكون طيبَين، وديعَين صافيَين، وسننظر إلى الأغيار بعين المحبة. سنسامح الكل، ونسامح أنفسنا، ونسامح العمرَ الذى انسرب. سنكتفى منه بتلك الليلة، ونصفو. ستقولين كنتُ خائفة، وسأقول كنتُ خائفا، وسنردد معا ما التقى خائفان إلا اطمأنا. ستقولين كنتُ ضعيفة، وسأقول كنتُ ضعيفا، وسنردد معا ما التقى ضعيفان إلا قويا. ستقولين كنتُ عارية، وسأقول كنتُ عاريا، وسنردد معا ما التقى عاريان إلا كُسيا. ستقولين كنتُ سالكة، وسأقول كنتُ سالكا، وسنردد معا ما التقى سالكان إلا وصلا. سترين جراحاتى تندمل قُدّامَ عينيك، وسأرى جراحاتك تندمل قُدّامَ عينىّ، حتى تأخذنا الغبطةُ دون أن يهتز جسدانا؛ سنكون مطمئنَين تماما، والمطمئنُ – يا سكرَ النباتِ – لا يهتز له جسد. لن نتحدث فى الحب؛ سنكون فى انشغالٍ عنه به، ستكون التفاتاتُنا حبا، وإيماءاتُنا حبا، وكلماتُنا حبا؛ سنكون حبا، حتى ترقص أرواحنا فى الداخل مُطَوِّحَةً كالدراويش، ونصفو.
 
Posted by Muhammad | Permalink |


16 Comments:


Post a Comment

~ back home