Saturday, March 05, 2011,06:22
بين التنحى .. والتنحنح

جاء وقتٌ كان حديثُ السياسةِ فيه محضَ ابتذالٍ لا طائلَ منه ، وتعاطيها عبثا صافيا . لم تكن فى الأفق بارقةٌ وحيدةٌ تبشر بأمل ، أو هكذا حسِب شخصٌ مثلى لا يفرِط - بطبعه - فى التفاؤل . آمنتُ أن للتغيير طريقين لا ثالثَ لهما : طريقا يتمثل فى العمل على إيجاد مواطنٍ قوامه الوعىُ يُعاد به تشكّل القاعدة العريضة القادرةِ على إحداث التغيير على المدى البعيد ، ويكون ذلك بالدين و الأدب والفلسفة والفن وغيرِ ذلك من العلوم الإنسانية التى تُنتج إنسانا له من الرقى حظٌ يمكّنه من إعادة صياغة نفسه والمجتمع على الأسس المبتغاة ، وطريقا آخر يتمثل فى الثورة التى تُحدث التغييـرَ على المـدى القـريـب . بدا ثانى الطريقين أمرا بعيدَ المنال فى بلدٍ تكلّسَ منذ سنين ، فالتزمتُ الطريقَ الأول . لتجىءَ نتائجُ الانتخابات ِالبرلمانية الأخيرة التى شاركتُ فى جولتها الأولى من باب "معذرةً إلى ربكم ولعلهم يتقون" .. لتجىءَ نتائجُها داعمةً لهذا الإحجامِ السياسى ومكرسةً للإحبـاط - تلك الانتخـابـات التى وصفهـا أبى - صدقا - بالفاجرة .

تداعت الأحداثُ - قبل أن يدركَ أحد - فصارت التظاهراتُ حركةً فهبّةً فانتفاضةً فثورة . ورحل مبارك! جملةٌ ما زالت عسيرةً على فهم طفلٍ جاء إلى الحياة فى عهده وشبَّ فى عهده وصار على عتبات الكهولةِ (وكهولةُ الرجال من الثلاثين إلى الخمسين) فى عهده . مبارك الذى أشرق والشمسَ ذاتَ صباحٍ ثمانينىٍّ ، فلما غربتْ أبى إلا البقاءَ رحل؟! لابد أنكم تمزحون !
لكنها - يالدهشتى وفرحى - لم تكن مزحة .

لسنا بصدد حركةٍ إصلاحية . ما نحن بصدده أكبرُ من ذلك وأجمل . ثورة . ث و ر ة . والثورةُ تغييرٌ جذرىٌّ وشاملٌ وراديكالىّ ، فلا تطالبونا - وقد عادت مصر وطنا ينتمى إلينا وننتمى إليه - بالتعقلِ والتمهلِ ومنحِ الفرصِ والتريثِ على من لا يقوون على مجاراة تلك النشوة . لن نصالح . فقد راح زمنُ "خذ الآن ما تستطيع"، وحلَّ زمنُ "خذ الآن ما تريد" .

لا تصالح ولو حذرتك النجوم
ورمى لك كهانها بالنبأ

صار "أهلُ التحرير" شمـاعـةً يلقى عليها كلُّ متنطعٍ ثوبَه المرقّع . فهم سبـبُ توقـفِ عجلـةِ الإنتـاج (عجلة الإنتاج!!!) ، وهم سببُ غيابِ الأمنِ وانتشارِ الفوضى ، وهم - أيضا - من "أكل الجبنة" . نفس ما قيل قُبيل تنحى الرئيس . نفس السيناريو دون تغيير مشهدٍ واحدٍ أو كلمةٍ واحدة . قلنا برحيل الرئيس فقالوا أفسدتم البلاد . قلنا برحيله فقالوا أمهلوه حتى انتهاءِ المدة . قلنا برحيله فخرجوا يطالبونه بالبقاء . وحين خرجنا فرحا بعد التنحى ، خرجوا فى مسيرات رد الجميل ، على طريقة "لو أن التحرير لكم فإن لنا مصطفى محمود ، ومفيش عنتر أحسن من عنتر" . نفس المشاهد التى تكررت - حرفيا - مع أحمد شفيق . إننى لا أنكر على أحد حقه فى إبداء الرأى ، لكننى لا أنكر على نفسى - كذلك - حقها فى التقزز من هؤلاء المتنحنحين على كل راحل .

لا تصالح
إلى أن يعودَ الوجودُ لدورتِهِ الدائرة
إلى أن يتمَّ حلُّ "أمنِ الدولة" . حلُّه لا إعادةُ هيكلتِه . فالسـرطـانُ إذ يتفشّى لا يجـدى معـه عـلاج ، بل الاستئصالُ والبتر .
إلى أن يذهبَ وجدُ امرأةٍ هرِمة . تنتظرُ بقلبٍ ذائب . أن يرتفعَ الدلوُ بعائلِها من بئرِ السُلطة
وإلى أن يتثاءبَ بابُ السجنِ عن الولدِ الغائب .
إلى أن يتحققَ كلُّ مطلبٍ مشروع .

فليتنحنحْ كلُّ من شاءَ له التنحنحُ أن يتنحنح . فالضمانةُ بعد رحمة الله فى استمرارِ الضغطِ الذى يثبتُ استمراريةَ الوجودِ دون أن يعطّل . لا أحد يريد للأمن أن يُفتقد ولا للتنميةِ - الممكنةِ الآن - أن تتأخر . لكن للثورة أجلا لابد أن توافيه . والثورة استثمارُ المستقبل . لكم يا "أهلَ التنحنح" إبداءُ الرأى بكل طريقةٍ سلمية ، وللتحريريين ألا يُلقوا لتثبيطكم - حتى لو افترضنا حسنَ النية - بالا ، خصوصا وأن ثباتهم على المبدأ قد أثمر غير مرة رغم كل محاولاتكم الداعية - بسوءِ نيةٍ أو حسنها - إلى التوقف .

لا تصالح
فليس سوى أن تريد
أنت فارس هذا الزمان الوحيد
وسواك المسوخ

 
Posted by Muhammad | Permalink |


0 Comments:


Post a Comment

~ back home