الحبُّ بلا أية مقدمات. فقط تصحو من نومك مبتسماً، ممتناً للكون. تحادث الشمسَ والقططَ الصغيرةَ ودخانَ سجائرِ المارة في ود.
تتغاضى عن عشرات الأخطاء وتسامح عشراتِ المسيئين وتعتذر للعشرات عن أشياء لا تذكرها. تتصالح مع كونٍ آخذٍ في اكتساب لونٍ جديد .. كونٍ بلونها هي ومذاقها هي.
أيحقُّ لكون اسمه (....) أن يحمل بعضَ الحزن؟
الحبُّ أن تهبَ نفسَكَ – طوعاً - لآخرَ هو الجنة. آخرَ يهدمُ ما شادَهُ فيك جحيمُ سارترَ ذو الدفءِ الباردِ على مرِّ الأعوام. آخرَ ينتزعُك من ظلماتِ عدميّةِ الجامعةِ ويلقي بك في رحمِ الإشراق.
الحبُّ حين ترتشف قطراتِ السِحر من شفةٍ تمتزج فيها مياهُ الأنهار الأربع. تقترب خجلاً فتهبك جيجوناً حليبيَّ الطعم فتعود طفلاً بل جنينا. تأتيها نزقاً فتهبك فراتاً بخمرٍ يسير. تأتيها لتكسر صياماً طويلا فتهبك سيحوناً بالماء الفرات. تأتيها حليلاً فتهبك نيلاً بشهد دائم.
فهل ترتوي؟
الحبُّ أن تأتيَه عارياً كأنّما لفظتك الحياةُ لتوّك هيوليَّاً ينشدُ التشكّل. وإذ تتحاضنان (ما أجملَ الكلمة) يتقولبُ كلٌّ منكما بقالَبِ صاحبِه فتصيرُ أنت هو، وهوَ أنت، وما في الجُبّةِ سواه. أن تلتحفَه ويلتحفَك فينتفض جسداكما عنيفاً في رقصةِ الاكتمال. أن تطأَه حِسَّاً حتى حوافِّ الروحِ، ويطأَكَ روحاً حتى حوافِّ الحسِّ، فتكتشفانِ التصوفَ مكسوّاً بعرقِ الإبطين .. ويسري ماءُ الحياة.
الحبُّ حين تبحث في ملامحها عن ورود أهديتها إياها فأسكنَتْها خديها واستبقتْ بتلّتين لشفاهٍ ترتعش منتظرةً الربيعَ الأبدي. أن تبحث عن سطور الشعر الساكنةِ بوريدٍ أزرق يجول بذراعيها .. يحملُ شعرك حتى القلب ويعيدك إياه شرياناً ينبض .. تقرأ شفرته فيحسدك "مورس". أن تقفز حباتُ الشيكولاتة من عينيها البنيتين وحباتُ اللؤلؤ من ضحكتها البيضاء .. أم كانت وردية؟
الحبُّ أن تتعلقَ بصدره لحظةَ البكاء والمكاشفة. أن تدفنَ الوجهَ في برزخ النهدين فتختلط دمعاتُك بأنهار وديان الأمن. أن تداعبَ الشمسين الراقدتين في وداعة كطفل يحتمي بأمه من قسوة الأيام. أن تتنهدَ ارتياحا وقد أرضعتْك سكينةَ الأحلام ممزوجةً بربتاتٍ مطَمْئِنَةٍ مطْمَئِنَّة.
لكل فتي قصةٌ يكلم عنها المساء.
تتعجّلُ المساءَ كي تبدأ لعبة الاستحضار الأثيرة، فتراها في كل مكان لتقص عليها بعضَ التفاصيل وتخترع بعض الأساطير وتهبها عشرات الورود ومملكةً من مرمرِ تاج محل، لتبتسم فيمطر الحجاز ندفا من ثلجٍ أزرق، وتهمس فيزهر النسرين في سيبيريا، وتخجل فيرحل الشفق محتجّاً ويتركها لك .. شمساً صغيرةً تنير ألفَ مساء.
لا تدّعي العشقَ قبل أن تسكن خلاياها وتعبّقَها بعطرك، وتحيطَ خصلاتِ شعرها بشريانٍ معقود .. قبل أن تكسبها لونك وتهبها ريحَ حزيران من نفسٍ لاهب، وإيقاعَ الفالس من نبضٍ عاشق. فقط حين يتفتح الأوركيد علي شفتيها سأدعوك عاشقا.
فتمهل صديقي تمهل، فالعشق أبديُّ الشباب. ولا تحزن لموت أوراق التقويم، فمن العشق ينبت تقويمٌ جديد.
------------------
بعضٌ من حديث بدأناه ولن ينتهي: ساسّو وأنا. بعض الأشياء التي تبدو واضحةً تماماً نعيد اكتشافها من جديد في لعبة حدثني عن "..."
بدت فكرةً بعيدةً أن نودِع حديثنا مدونة منفصلة، فاتفقنا أن نتركه هنا .. فبعضٌ من "النحن" بين تدوينات "الأنا" قد يُمتع.
كان ماركسيّاً، وكان ملحدا
قلت: فماذا لو أنني على صواب! ماذا لو أن الجنةَ حقٌّ، والنارَ حقّ! وأننا سنُبعثُ بعد الموتِ لحسابٍ وثوابٍ وعذاب!
أجابني وقد انفجر ضحكا: يبقى خاذوق ولبسناه...
فلننعمْ بأيامٍ افترقناها طوعاً، ولنرشفْها في مَهَلٍ شبقيٍّ مُتَخابِث. إذْ تقسو الحياةُ غداً فتسقطُ آخِرُ معاقلِنا ونفترقُ قسراً، سنبكي – كالنساءِ – مُلكاً لم نحافظْ عليه كالرِّجال. وليتَ شِعري أيُّنا سيبكي غرناطةَ – بعد سقوطِها – بالدَّم! وأيُّنا سيبكيها بالماء!
يرى صديقُنا سارتر أنَّ الإنسانَ محكومٌ بالحريةِ، وكنتُ أحسبُهُ محكوماً بالوحدة. تأتي – من ظلمةِ الرحمِ – وحدَكَ، وتعيشُ – كالبعيرِ المُفردِ – وحدَكَ، لتموتَ – على الأخصِّ – وحدَك. أنتَ وحيدٌ تماماً في عالمٍ لا مُبَال. أنتَ وحيدٌ تماماً ومِن حولكَ الآخرون/الجحيم. الآخرونَ دائما.
لا شيءَ يعينُكَ .. لا شيءَ يُعينُك
لا شيءَ يعينُكَ .. لا شيءَ يُعين
لا شيءَ يُعينُكَ .. لا شيء
لا شيءَ يُعينُك
لا شيء
لا