Sunday, May 20, 2007,23:42
حصاد الهشيم
ليس هذا الضجيج الكلام
ليس هذا السكوت انهزام



تقف على مشارف الخامسة والعشرين حكيما محزونا متسمما بالكلمة. تقف متّهـَما ومتّهـِما لمن سقطوا – دون سابق إنذار - أمواتا في الحياة. تقف – كلاعب سيرك - على قدم واحدة دون أن تجد موضعا للأخرى. ولْتعترفْ يا صديقي بأنك عرفت ذلك منذ البدء، لم تكن الحياة أبدا بمثل هذا السخاء. لتعترفْ. فمثلك لا يخدع نفسه وإن انخدع به الآخرون.

تقف على مشارف الخامسة والعشرين ولا شيء في صندوق القلب سوى قليلٍ من البراءة، وبعضٍ من التجريب. تقف وقد تماديت في الحزن يوما فشهرا فعاما حتى ترسّب فسدَّ منافذَ الفرحة. تقف وأنت تعي – تمام الوعي – أن هذا الزحام لا أحد.

تقف على مشارف الخامسة والعشرين ولا شيء معك سوى بقيةٍ من كلمات المازنيّ .. قبض الريح وحصاد الهشيم وخيوط العنكبوت. تقف وأنت.. ما أنت؟ ذبابة سقطت في الفخ الدنيويّ ولم تسلك - بعدُ - طريقَ الخلاص. تقف مرهقا بكلمات الجامعة عن الكل الذي هو باطل، والأنهار التي تجري إلى البحر .. فترتعب لمرأى نهرك السائر حتما إلى نفس المصير.

تقف على مشارف الخامسة والعشرين وقد خيبت أهلك وأصدقاءك وحبيباتك ونفسك. تثقلك الإحباطاتُ والمراراتُ ووطأةُ الماضي، فتتشكك في إمكانية التغيير الذي يأتي ولا يأتي. توَدّع الصباحاتِ واحدا تلو الآخر في انتظار قمر الحب الذي يطلع والمساء، فيأتي المساء - كعادته - دون قمر. لتشرقَ شمس أخرى من رحم الغد وتصب نارها الحزينة على وجهك الممتقع الأسْيان، ثم لا شيء.

تقف على مشارف الخامسة والعشرين وقد قست حياتك بملعقة قهوة فلم تزن الكثير. تبكي - عن عجز - أمام العبارة الشكسبيرية عن تيار أسمى المنجزات. لم تعرف مذ سقطتَ على رصيف هذا الكون في أواخر الصبا شيئا عن المنجزات. فقط بعض صور هشة .. وركام .. وأصواتٍ متداخلة يطلقها عويلُ الليل والجنادب.

تقف على مشارف الخامسة والعشرين وغدا متكاملا. تنفعل بالكلمة ولها دون أن تغني بالسيف. تنتابك حيرة الحلاج في النص الذي أبهرك فيَقطرُ دمعك. تسائل من يعرفون، فلا يجيبك غير الصدى.

تقف على مشارف الخامسة والعشرين وحيدا بعد أن بدأت القافلة في الرحيل. تعي أن كل ارتباط إلى انفصال، وكل لقاء إلى فراق، وكل حياة آدمية إلى زوال. يقتحمك صوت الحادي فلا يفيدك التظاهر بالصمم. تقف متغافلا عن الموعد الذي تُسرَج فيه ناقتُك، ليبدأ السفر.

تقف على مشارف الخامسة والعشرين وقد أفزعك المارّة فوضعت نعليك تحت إبطيك وفررت من السوق في يوم قائظِ الظهيرة. تقف متوحدا ولا أحد في الساحة سوى الإنسان الكُركي والإنسان الثعلب والإنسان الأفعى والإنسان الكلب. تذكر أنك حين تركتهم كان الإنسانُ الفهدُ سيدَ الموقف. تسائل بسام الدين عن الإنسان الإنسان، فيأمرك بالصبر .. والحزن.

تقف على مشارف الخامسة والعشرين وقد عرفت فلم تلزم. ووعيت فلم تفعل. تُمنّي نفسك بالأيام التي تدخل فيها رحمَ الهناءة ليكون التطهير، وكأنك اتخذت عند الله عهدا فأنت - حتما - بالغُه. تتناسى الموعد المضروب رغم وضوح الحقيقة .. ورغم انشقاق القمر.

تقف على مشارف الخامسة والعشرين كما يقف البعير، وما في قلبك موضع إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح أو رمية سهم. تطول بك الوقفة. فلا نامت عينك، ولا نامت أعين الجبناء.
 
Posted by Muhammad | Permalink |