Saturday, March 31, 2007,05:03
موزاييك

مشهد

إذ من تراه قادرا على تحمل السياط والإذلال من يد الزمان .. في ظلم كل ظالمٍ، وكل من يصعّرون الخد في صلافة .. ولذعة الصدود للمحب أو تباطؤ العدالة .. وفي التعجرف الذي يبديه أصحاب المناصب .. أو الإهانات التي يلاقيها الكريم صابرا على يد اللئيم .. إن كان يستطيع حسم الأمر بالخنجر لا أكثر؟

إلا أن هاملت نفسه لم يجسر على حسم الأمر


مشهد

يقول أبو العلاء في داليّته التي يرثي فيها فقيها حنفيا:
تعب كلها الحياة فما أعجب إلا من راغب في ازديادِ

لكنها - الحياة - منتهية على كل حال .. طالت أم قصرت .. هذا ما يؤكده المازني في رؤية مغايرة لرؤية أبي العلاء .. يقول المازني: وليس أسف المعمّر على فراقها بأقل من أسف الشباب، وإذ كان الأسف واحدا، والأجل إلى انتهاء، وكل تعزّ أكذوبة وباطل ومحال، فخير في الجملة أن تقصر مع الامتلاء من أن تطول مع الفراغ!
نعم من الأكاذيب ومغالطة النفس أن يدعي أحدٌ الزهدَ في الحياة والشوقَ إلى الرحيل، وأن يتظاهر بالارتياح إلى ذكره بعد ذهابه. حتى التيقن من خلود الذكر ليس فيه سلوان.
تنتهي كلمات المازني لتبدأ حيرتنا .. بين المعري الذي يَعجب من راغب في ازدياد، وإبراهيم الذي يعجب من مشتاق إلى الرحيل.

تطفو جدارية درويش إلى واجهة المشهد:
هَزَمتْكَ يا موتُ الفنونُ جميعها .. هزمتك يا موتُ الأغاني في بلاد الرافدين، مسلةُ المصري، مقبرةُ الفراعنةِ .. النقوشُ على حجارة معبدٍ هزمتك وانتصرتْ، وأفلت من كمائنك الخلودُ.

تطفو جدارية درويش - ثانية - إلى واجهة المشهد:
عشتُ كما لم يعش شاعرٌ .. ملكا، وحكيما .. هرمتُ، سئمتُ من المجدِ .. لا شيء ينقصني .. ألهذا إذاً كلما ازداد علمي .. تعاظم همِّي؟ .. فما أورشليم وما العرش؟ .. لا شىء يبقى على حالهِ .. للولادةِ وقتٌ .. وللموتِ وقتٌ .. وللصمتِ وقتٌ .. وللنطقِ وقتٌ .. وللحربِ وقتٌ .. وللصلحِ وقتٌ .. وللوقتِ وقتٌ .. ولا شىء يبقى على حالهِ .. كل نهرٍ سيشربه البحرُ .. والبحر ليس بملآنَ .. لا شىء يبقى على حالهِ .. كل حيٍّ يسير إلى الموتِ .. والموتُ ليس بملآنَ .. لا شىء يبقى سوى اسمي المذهَّبِ بعدي .. فماذا سيفعل موتى بأسمائهم؟

لينهي المشهد بصيحة سِفر الجامعة:
باطلٌ، باطلُ الأباطيلِ باطل .. كل شيء على البسيطةِ زائل


مشهد

تناصّا مع ما كتبه بيرون في أسفار تشايل هارولد: إن هذا العالم شيء تافه إن اكتسب أو فقد .. يقول إبراهيم أبو سنة:
ليس صحيحا يا بيرون .. أن العالم شيء تافه .. فالأحزان الفادحة على القلب .. والأمل الخائب عند خريف العمر .. والميلاد المتعسر عند الفجر .. والفرح الأخضر في أوراق الحب .. والدهشة في عين الطفل .. حين يسافر عبر العالم .. في طرق اليتم السوداء .. القصيدة - لينهيها بصيحة أخرى يطلقها في وجه الشاعر الإنجليزيّ: لكن ليس صحيحا يا بيرون .. أن العالم شيء تافه .. وبه هذا الألم الفادح.


نهاية

أليمة إلى اللقاءِ واصبحوا بخير .. وكل ألفاظ الوداع مرّةٌ، والموت مر .. وكل شيء يسرق الإنسان من إنسان.

 
Posted by Muhammad | Permalink |