مفتتح
فلما قدما مكةَ قال له أبوه: يا قيس، تعلّق بأستار الكعبة. ففعل. فقال: قل اللهم أرحني من ليلى وحبِّها. فقال: اللهم مُنَّ عليّ بليلى وقربها.
ذات صباح
وبعد ليلة قضاها ثلاثتُنا في عراء الجبل أشرقتْ شمسُ يوم جديد. تابعتُ لحظة الميلاد علَّها تتمخض عما يطرد الكآبة. رأيتُها تقاوم الظلام (أو تكتسحه) حتى بزغتْ واضحةً كأمل أقبل بعد غياب وانتظار. غير أن ميلادَ شمس الخارج لم يتبعه ميلادُ شمس الداخل إلا لوهلة عاد كل شيء بعدها كما كان. أنقذني صاحبي من ضلالات الفكر حين أفاق وبدأتْ ثرثرتُه. كان حديثه بسيطا وممتعا في آن، وكأن الحياة قد وهبتْه بعضا من حكمتها رغم حداثة سنه. تعجّبَ للدنيا التي تجمعنا أغرابا وتُفرقنا أحبابا حتى أوشك على البكاء. أمعنتُ فيه النظر ولم أنبس بحرف من كلمات التسرية التي اعتدناها في مثل هذه المواقف. احترمتُ تجلّيه وانشغلتُ بالإنصات إلى رنين صوتكِ الذي لم يبارح أذني منذ هاتفتُكِ قبل ساعات.
قبل ساعات
جاءني صوتُكِ رقيقا - كنسمة صيف - بتأثير النعاس. حوّم - كعصفور أخضر - حتى استقر على كتفي وربتَ بضع ربتات. فككتُ الشفرة وجعلتُ من قلبي وسادة له فسكن جناحاه. ابتسمتُ له فهشّ بوجهي ونام.
الآن
صرتِ جرحي الأكبرَ وحزني الأكبر. لم تعد الكلماتُ واللقاءاتُ كافية لسد الجوع. أحتاجكِ في دمي كمدمن يشتاق وخزَ الأفيون. لكنْ: بيننا يا جارتي بحرٌ عميق. بيننا بحرٌ - من العجز - رهيبٌ وعميق.
خاتمة
دهشورُ يا دهشور
شدّتْ خيوط النور
أرجوحة الصبحِ
فأولمي للطيور
والنملِ من جرحي