قال : حالَ غباؤُها دون أن تعى ما تعنيه "أحبكِ" فى زمن الأزمة . لم تفهم (وهى قارئة الأدب) أن العظمة لا تكمن فى فصل العام عن الخاص ، بل فى مزجهما إلى الحد الذى يصبح معه الواحدُ منهما انعكاسا للآخر وتجليا له . لم تدرك أننى عنيتها شريكةً أمرُّ بها وتمر بى المحنة .. أيةَ محنة ، وإلا فما الحب – يا صاحبى – سوى ذاك ، وأى جدوى – إذًا – من وجود المحبوب؟
قال : تنهدَتِ ارتياحا وقد تخلصتْ منى تنهدَك إذ تتخلص من بول محتبس . اعتبرتُ كلَّ خلاف سابق طفوليا وعارضا ولا معنى له مهما بلغ حجمه ومهما طالت مدته ، رغم أنها كانت تؤطر للخلاف وتبرزه وتكرسه وكأنه غاية تسعى إليها بنزق . أما هذه المرة فأشعر بالمهانة يا صاحبى . أشعر بمهانة الجرح وجرح المهانة حتى لأشفق على نفسى من رفسة هذا الفرس . تتعاظم الكراهية فى قلبى وتتكلس جدارا عازلا بينى وبين هجمتها الغادرة .
قال : تبتذل الحزن حتى لا تكاد تميز طريقتها فى فهمه عن طريقة أغنيات مصطفى كامل التافهة حين يحشد أكبر قدر ممكن من مفردات الحزن والولع والألم والحسرة والعذاب والجرح ، وكأن ذلك كافٍ للدلالة على الحزن فى عمقه ، فتراها تدلل عليه بالدموع وحشرجة الصوت ونفاد الصبر ، وكأن الحزن – فى نبله – لا يستحيل مكونا عفويا من مكونات المرء فيظهر فى سكونه وحركته والتفاتته وإيماءته وضحكته ودخان تبغه ، حتى ليتشابه – كما يقول أبو العلاء – صوتُ النعىِّ وصوتُ البشير ، أو بكاءُ الحمامة وغناؤُها .
قلتُ : قرأتُ شيئا أحسبه حقيقيا لعلى أمين ، ربما يساعدك فى إحسان التصور والقرار . يقول : يتصور بعض الناس أن الحب كالقطط بسبعة أرواح . وبهذا يضيعون السنين في محاولة رد الروح إلى حب قد مات .فنحن نحب الحب ونتصور دائما أنه يختلف عن حب الآخرين ، ولذلك لا نتصور أن حبنا يمكن أن يموت .
نرى حبنا جثة هامدة ، ومع ذلك نرفض أن ندفنه تحت التراب . وكثيرا ما نوهم أنفسنا أن هذه الجثة بدأت تتحرك وتتكلم وتبتسم . وفترة خداع النفس هى أقسى فترة يمر بها العشاق والمحبون . فهم يغمضون عقولهم وعيونهم ولا يصدقون كلام الأصدقاء . أعرف فتيات انتظرن سبع سنوات عودة الحبيب الذى هرب . وأعرف صديقا انتظر عودة حبيبته بعد أن تزوجت ورزقت بأطفال ، وتزوج أولادها وأصبح لها أحفاد . كان يقول لى إن قلبه لم يكذب يوما .. وهذا القلب يؤكد له أنها ستعود . وليس من السهل إقناع المحبين بأن الحب الميت لا يمكن أن يسترد الحياة . فإن العاشق كالأم التى لا تصدق الأطباء حين يقولون إن طفلها قد مات . إنها لا تتصور أن القدر يمكن أن يخطف منها طفلها الحبيب ، ولذلك تعارض في دفنه . تتوسل إلى من حولها أن ينتظروا ، ولا يتعجلوا الدفن ، فإنها واثقة أن طفلها لا يزال على قيد الحياة . والمشكلة هى كيف نقنع المحبين بأن حبهم قد مات ، وأن عليهم أن يواجهوا هذه الحقيقة ، ويبدأوا حياة جديدة .
إنني أنصح بمواجهة المحبين بالحقيقة . أعرف أن بعض الناس يفضلون لف الحقيقة بالورق المفضض ويرش السكر على الحقيقة لتخفيف مرارتها ، ويجاملون العشاق بإرجاء عملية الدفن . ولكننى أعارض هذا الأسلوب وأرى خطره على القلوب المصابة . إننى من أنصار سرعة الدفن . إنها عملية صعبة قاسية .. ولكنها العلاج الوحيد للقلوب الجريحة .
قال : يبدو أنه محق ، لكنه يتحدث عن المحبين . أما أنا فأعمل فى الاتجاه الآخر . الكراهية يا صديق . الكراهية .