Saturday, January 30, 2010,03:15
مع شكسبير

To those who have read Richard III …
To those who are interested …


لم يسبق لى أن عرفت فتاة يعجبها فن شكسبير إلى الحد الذى يصبح معه الرجل واحدا من كتابها المفضلين. ولست أدرى إلام ترجع قلة حظ ويليام مع النساء وقد أنتج أربع تراجيديات كانت كافية جدا – فى زعمى – لتخليده بين عظام المسرحيين على مر العصور حتى لو غضضنا الطرف عن باقى أعماله .. ماكبث ولير وعطيل وهاملت (رغم أن ناقدا عظيما كإليوت يعتبر الأخيرة فشلا فنيا).

واحد من أهم الأسباب التى تجعل دراسة شكسبير عملا غاية فى الإمتاع هو العدد الوافر من المصادر التى تتناوله شرحا وتحليلا ونقدا، الأمر الذى يجعل من دراسته مغامرة بالغة الثراء، خصوصا وأن هؤلاء الشراح والنقاد لا ينتمون إلى طيف واحد، بل إلى اتجاهات وأزمنة وأمكنة متباينة.

عكفت طيلة أسبوع على الدراسة الأكاديمية لمسرحية شكسبير ريتشارد الثالث. والشائع عن هذه الشخصية كما خلقها شكسبير أنها الشر إذ يتجسد فى خِلقة آدمية، الشىء الذى يمتد تأثيره إلى ريتشارد الثالث نفسه ليصمه، أقصد كشخصية تاريخية جلست على عرش إنجلترا فى آخر فترات حرب الوردتين الشهيرة بين بيتى يورك ولانكستر.

ريتشارد كما يرى كثير من النقاد تجلٍّ لشخصية الـ Vice كما شاعت فى المسرحيات الأخلاقية للعصور الوسطى، وفيه أيضا يظهر الماكيافيللى الذى لا يتورع عن إتيان أكثر الأفعال خسة ودناءة فى سبيل بقائه السياسى، حتى أن جفنه لا يختلج لقتل زوجته وأخيه (كلارنس) وابنى أخيه (إدوارد) الصغيرين. لكن التوقف عند هذه الرؤية لريتشارد كَشَرٍّ محض لا يفسر مشهدين من أهم مشاهد المسرحية: أولهما المشهد الأول من الفصل الأول حيث المناجاة التى يفتتح بها ريتشارد المسرحية مشيرا إلى حالة الهدوء التى اجتاحت البلاد منذ اعتلى أخوه إدوارد عرش إنجلترا، والتى لا يرى فيها ريتشارد ما يبهجه، فيقرر أن يبدأ خططه الشريرة معللا ذلك بمنطقه الخاص: ما دمت شائه الخِلقة فلا يمكننى أن ألعب دور العاشق، وما دمت لن ألعب دور العاشق فلألعب دور الشرير.

وثانيهما المشهد الثالث من الفصل الخامس حين تظهر أشباح ضحايا ريتشارد إيذانا بالهزيمة التى سيمنى بها بعد قليل فى المعركة الفاصلة بينه وبين ريتشموند (يعتلى العرش باسم هنرى السابع كأول حكام أسرة تيودور التى تنتمى إليها إليزابيث الأولى - الملكة فى زمن شكسبير) فنشاهد ريتشارد لأول مرة على مدار المسرحية وقد انتابه وخز الضمير.

ترجع أهمية المشهدين إلى الأبعاد السيكولوجية التى يضفيانها على ريتشارد، فلا نراه مجرد "نمط" مكرور لشخصية الـ Vice التى لا يحدث أن تنتابها يقظة الضمير، وإنما يستحيل إنسانا له من البواعث ما يدفعه إلى ارتكاب الشر.

يرى بعض النقاد أن التعرض لشخصية ريتشارد يستوجب التضحية بإحدى الرؤيتين نظرا لصعوبة المزج بينهما. ويعنى ذلك تقديمها كتجسد حى للشيطان مع إغفال الناحية النفسية، أو تقديمها ككائن بشرى له دوافع للشر - مما سيتطلب التركيز على هذا الجانب المظلم مع إغفال ما يميز الـ Vice من جاذبية وحس تهكمىّ ترجع إليهما – بالأساس – شهرة المسرحية وقابليتها عند الجمهور، اللهم إلا أن تقوم قراءة شجاعة بالمزج بين ما يبدوان عسيرى التمازج.

لا تقوم حجية ما يسوقه ريتشارد من مبررات لأفعاله الشريرة – أقصد حقيقة كونه شائها – باعثا عند القائلين بطبيعته الشريرة الخالصة، ويستدلون على ذلك بقدرته على استمالة الليدى آن وهو الذى قتل – لتوه – زوجها (إدوارد) ووالده الملك (هنرى السادس). أى أن ريتشارد ينجح فى الإيقاع بالليدى آن فى أشد الظروف غرابة وعدم ملائمة لأن يتودد رجل لامرأة، فالليدى آن تمقته وتزدريه لقتله عشيرتها من ناحية، وريتشارد رجل لا ترغب فيه النساء من ناحية أخرى، فضلا عن اللقاء الذى يتم أثناء تشييع آن لجثمان الملك الراحل – والد زوجها - من ناحية ثالثة.

لكن يظل المشهدان سابقا الذكر حجر عثرة فى سبيل كل محاولة إلى تسطيح ريتشارد الثالث بنزع المسحة السيكولوجية عن شخصيتها المحورية، خصوصا مع التوتر الدرامى والصدق اللذين يغلفان المشهد الثالث من الفصل الخامس:

Cold fearful drops stand on my trembling flesh.
What do I fear? myself? there's none else by:
Richard loves Richard; that is, I am I.
Is there a murderer here? No. Yes, I am:
Then fly. What, from myself? Great reason why:
Lest I revenge. What, myself upon myself?
Alack. I love myself. Wherefore? for any good
That I myself have done unto myself?
O, no! alas, I rather hate myself
For hateful deeds committed by myself!
I am a villain: yet I lie. I am not.
Fool, of thyself speak well: fool, do not flatter.
My conscience hath a thousand several tongues,
And every tongue brings in a several tale,
And every tale condemns me for a villain.
Perjury, perjury, in the high'st degree
Murder, stem murder, in the direst degree;
All several sins, all used in each degree,
Throng to the bar, crying all, Guilty! guilty!
I shall despair. There is no creature loves me;
And if I die, no soul shall pity me:
Nay, wherefore should they, since that I myself
Find in myself no pity to myself?

إن ريتشارد وإن أمكننا وصفه بأحط الصفات لا يفتقد إلى الذكاء، ولذلك فهو على وعى تام بموقفه وبالطريقة التى يراه عليها الآخرون:

Deformed, unfinish'd, sent before my time
Into this breathing world, scarce half made up,
And that so lamely and unfashionable
That dogs bark at me as I halt by them;

لتسلمه هذه المقدمة إلى نتيجة:

And therefore, since I cannot prove a lover,
To entertain these fair well-spoken days,
I am determined to prove a villain

حين تقوم الليدى آن بتشييع جثمان والد زوجها – الملك الراحل - لا تجد غير ريتشارد لتصب عليه جام غضبها بأكمله، رغم أن باقى عائلة يورك قد ساهمت فى مأساتها بالقدر الذى ساهم به ريتشارد، الأمر الذى تراعيه مارجريت – زوجة الملك الراحل – حين تصب لعناتها على اليوركيين أجمعين: من شهد منهم مشهد اللعن أو غاب، ذلك أن الكل فى نظرها مخطىء وآثمة يداه. حتى أن طريقة لعن آن لريتشارد لا تخلو من مهانة وازدراء ونزع للآدمية، فهى لا تلعنه كلا واحدا، بل تشير إلى أعضائه منفردة، وكأنها تقترح أن هذه الأعضاء – فى مجموعها - لا ترقى إلى مرتبة الآدمية:

Cursed be the hand that made these fatal holes!
Cursed be the heart that had the heart to do it!
Cursed the blood that let this blood from hence!

ويعزز هذه النزعة إلى الحط من آدمية ريتشارد مقارنةُ مصيره بمصير كائنات أكثر انحطاطا – من الإنسان - فى سلم التطور:

More direful hap betide that hated wretch
That makes us wretched by the death of thee
Than I can wish to wolves, to spiders, toads,
Or any creeping venom'd thing that lives.

كما أن آن لا تنسى الإشارة إلى خِلقة ريتشارد الشائهة وذلك بموازاتها مع الطبيعة التى تتمنى أن يولد عليها ابنه المستقبلى:

If ever he have child, abortive be it,
Prodigious, and untimely brought to light,
Whose ugly and unnatural aspect
May fright the hopeful mother at the view

لكن عاقبة هذا التحيز الواضح ضد ريتشارد سرعان ما تعود على آن نفسها حين تلعن زوجته المستقبلية التى ستكونها – فى سخرية مرة – عن قريب وفى نفس المشهد.

الكل مخطىء – فى الحرب الأهلية - والكل يداه ملوثتان بالدماء. حتى مارجريت زوجة الملك الراحل (هنرى السادس) والتى تفرق اللعنات بسخاء تام على كل أفراد العائلة اليوركية متخمةٌ بالخطيئة. وهى وإن كانت أكثر عدلا فى سخطها من آن التى تختص ريتشارد وحده باللعن، فقد نسب إليها شكسبير ما لا يقل فظاعة عن أفعال ريتشارد ذاته حين صور سخريتها من والد ريتشارد بينما تلوح له بمنديل مغموس فى دم ابنه روتلاند الذى قتله آل لانكستر فى طريقهم إلى العرش. وما دام الأمر كذلك فى هذه الحرب الأهلية، فإن كثيرا من أفعال ريتشارد ستفقد – ولو نسبيا - سمتها الوحشىّ الذى نراها عليه، إذ الكل – لا ريتشارد وحده – ضالع فى الدم.

إن اغتراب ريتشارد عن جسده ومجتمعه ليرجع بالأساس إلى هذا الأخير – المجتمع، إذ يبدو أن كل شخوص المسرحية: المنتمين منهم إلى آل يورك أو إلى آل لانكستر قد عقدوا اتفاقا ضمنيا على معاداته، حتى أن أمه نفسها لتشارك فى هذا العداء، لتتحول العلاقة بين أفعال ريتشارد وأفعال باقى الشخوص إلى ديالكتيك يغذى فيه كل طرف الآخر بما يؤججه، فالتحيز الذى يقابل به المجتمعُ ريتشارد دافعٌ للشر، وأفعال ريتشارد الشريرة تثير سخط المجتمع، وهكذا فى دائرة مغلقة.

لكننا بملاحظة المعجم اللغوى المستخدم (خاصة من الشخوص النسائية) للحديث إلى ريتشارد أو عنه ندرك أن جناية ريتشارد الوحيدة هى التزامه بالدور المنوط به من قِبل المجتمع فى لعبة توزيع الأدوار. ولأن ريتشارد لم يكن غبيا ولا جبانا فقد أجاد هذا الدور الذى يفرض عليه الاغتراب فرضا بوضعه دائما فى السياقات الشيطانية والحيوانية والوحشية، أو بعبارة أخرى: أى سياق سوى السياق الآدمى.

ليس من المستغرب إذن والأمر كذلك ألا يجد ريتشارد فى نفسه أى عطف تجاه البشر الذين يؤمنون أنه ليس واحدا منهم، ليكون لسان حاله: ما دمت لا أنتمى إليكم فلن أستشعر الرحمة تجاهكم، اللهم إلا أن يستشعر وحش البرية فى قلبه الرحمة لبنى البشر!

إننا حين ننظر إلى قتل ريتشارد لأخيه (كلارنس) أو لابنى أخيه (إدوارد) الصغيرين لا ينبغى أن تقفز إلى عقولنا بادىء ذى بدء رابطة الدم التى تجمع ريتشارد بهذه الشخوص، بل ينبغى أن نرى الحوادث فى السياق المشار إليه سلفا، وبذلك فليس على ريتشارد أن يستشعر الأسى لقتل أى من ضحاياه الذين لا ينتمى إليهم، تماما كما لا ينتمى الوحش (الذى أرادوه أن يكونه) لبنى البشر. فيتحول سياق And therefore, since I cannot prove a lover إلى معنى: لأنكم لم تسمحوا لى ابتداء أن ألعب هذا الدور بانين موقفكم على حقيقة كونى شائه الخِلقة – والتى لا جريرة لى فيها بطبيعة الحال – أقول لأنكم لم تسمحوا لى أن ألعب العاشق، فلألعب الدور الذى كلفتمونى .. وعليكم فقط أن تتحملوا العواقب.

نعود الآن إلى المشهد الثالث من الفصل الخامس. إن تمادى ريتشارد فى أداء دوره بإتقان قد أنساه ذاته الحقيقة، والتى بدت فى لحظة - هى الوحيدة على مدار المسرحية - من لحظات وخز الضمير، أو بتعبير أدق من لحظات ظهور الذات الخيّرة، لتتصارع الذاتان: تلك التى فرضها عليه المجتمع فرضا، والأخرى المطمورة تحت أكوام الشر، ليبدو ريتشارد ممزقا بين استنكار الذات الخيّرة للأفعال الآثمة لذاته الشريرة من جهة، ودفاع الأخيرة عن حقها فى الوجود من جهة أخرى.

إن نهايةَ المسرحية بهزيمة ريتشارد نهايةٌ تراجيديةٌ وسياسيةٌ أكثر من كونها نهاية أخلاقية. ينهزم ريتشارد ويموت – شأن أبطال شكسبير الآخرين - حتى تكتمل مأساته التى نشعر أنها لن تكتمل إلا على هذا النحو، كما أن شكسبير لم يملك كثيرا من الخيارات فى إنهاء مسرحيته، ذلك أن الملكة الجالسة على عرش البلاد فى زمنه – إليزابيث - حفيدةُ ريتشموند .. الطرف الآخر فى المعركة.

وختاما أقول: إن رؤيتنا لشخصية ريتشارد الثالث فى هذا السياق تحقق المعادلة العسيرة، فهى تراعى جانبه السيكولوجى الهام من ناحية، دون أن تضطر إلى إغفال جاذبيته وحسه التهكمىّ من ناحية أخرى، فقط سنعيد رؤية هذا التهكم فى سياقه الصحيح .. سياق الكائن الذى يسخر من جماعة أخرى من الكائنات لا ينتمى إليها ولا تنتمى إليه .. تماما كما يسخر الإنسان من مجتمع القرود.

 
Posted by Muhammad | Permalink | 0 comments


Friday, January 29, 2010,00:45
Seize the Day

As for you, Gilgamesh, fill your belly with good things; day and night, night and day, dance and be merry, feast and rejoice. Let your clothes be fresh, bathe yourself in water, cherish the little child that holds your hand, and make your wife happy in your embrace; for this too is the lot of man.

 
Posted by Muhammad | Permalink | 0 comments


Saturday, January 16, 2010,00:03
نشيد

رسمنا على القلب وجهَ الوطن
لكنْ
هل رسم الوطنُ وجوهَنا على قلبه؟

 
Posted by Muhammad | Permalink | 1 comments


Sunday, January 03, 2010,23:54
حكمة العدد



You can't lose what you never had



 
Posted by Muhammad | Permalink | 1 comments